لَا تَشُقِّي‏ عَلَيَ‏ جَيْباً وَلَا تَخْمَشِي‏عَلَيَّ وَجْهاً وَلَا تَدْعِي عَلَيَّ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, وإنّا لله وإنّا إليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي مقلب ينقلبون..

ونحن في أشهر الحزن يكثر البحث والكلام في واقعة الطف وما جرى فيها من مصائب على آل محمّد صلوات الله عليهم, ويكثر التشكيك في وقائع كربلاء وما جرى فيها, حتى يقْتَنِصُ الأعداء طريقاً للخوض في هذه القضيّة, ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره بما يظهر من فاسد استدلالهم وقليل معرفتهم  بحقائق الأمور, ومن هذه الأخبار التي أتخذها المخالفون لمذهب الحق عنواناً للتشنيع على أتباع أهل البيت عليهم السلام ما ذكره الشيخ المفيد ـ أعلى الله مقامه ـ في كتابه الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج‏2 / ص94 بما نقله من قول الإمام الحسين عليه صلوات ربي عليه تترا مخاطباً لمولاتي زينب صلوات الله عليها وسلامه قائلاً: (يَا أُخَيَّةُ إِنِّي أَقْسَمْتُ فَأَبِرِّي قَسَمِي لَا تَشُقِّي‏ عَلَيَ‏ جَيْباً وَلَا تَخْمَشِي‏عَلَيَّ وَجْهاً وَلَا تَدْعِي عَلَيَّ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ إِذَا أَنَا هَلَكْت) مدعيين أن الشيعة بإظهارهم الجزع بمصاب الحسين × مخالفون لوصيته لأخته زينب ومخالفون لما هو حق في المذهب على أن نهى الإمام لا يخرج عن الكراهة أو الحرمة والشيعة ـ أعلى الله مقامهم ـ يلطمون ويبكون ويندبون الإمام فقدموا على مخالفة الشرع بارتكاب المكروه أو المحرم.‏

ولا يخفى قليل فهم المحتج بهذا وقصر نظر المستدل به فإن الحرام والمكروه لا تعرف حرمتة وكراهته بالقسم بل هو كحرمة الخمر ووجب تركها وركوب الفواحش والتعامل بها, فيأتي الأمر الإلهي بعدم ارتكابه ولا يأتي الخبر عن النبي| ـ مثلا بأنه يقسم على المؤمنين بترك شرب الخمر! ثم يقال: أن مثل هذا القسم يدل على الحرمة فإن غاية ما يدل عليه ـ لو وقع مثله ـ جوازه وعدم رغبة النبي في صدوره من المؤمنين هذا فيما إذا كان الخطاب عاماً ـ على أنه قد يدخل تحت ولايته ـ لكن إذا كان الخطاب خاصاً كما نحن فيه فيأتي النبي صلوات الله عليه وآله, ويقسم على أحد أصحابه بعينه ـ مثلاً سلمان المحمدي رضوان الله عليه ـ أن لا يسرق! ثم يقول قائل: إن السرقة حلال ولكن النبي لم يرغبها من سلمان المحمدي بعينه لصح ذلك, إذاً الحلف وطلب الإبرار به لا يفيد الحرمة ولا الكراهية كما هو في المورد وخصوص المخاطب لا يعنى إعمال الولاية على كل من وصله الخطاب.

هذا من جهة مفاد الحلف الصادر من المعصوم في مثل هذه الواقعة, أما شخص المخاطب وهو في المقام مولاتي السيدة زينب, فلا يتصور في حقها أن يكون الخطاب نوع ردعٍ لها عن ارتكاب الحرام أو المكروه بطلب الإبرار بالقسم, إذ مثلها ـ وهي العالمة غير المعلمة ـ قد وصلت لمرتبة تقارب العصمة الإلهية بل لو قلنا أنها فيها لم ذلك جزافا وهي التي لم تترك صلاة الليل في ليلة الحادي عشر تلك الليلة التي كانت ليلة المصائب فكيف بها تفقد توازنها حتى يتصور في حقها الردع بالقسم, وأعجب ممن يتصور أن المعصوم في مقام التخويف من ارتكاب المحرم أو المكروه يخاطب الناس بالإبرار بقسمه ولا يُخوفهم من عذاب الله أو الابتلاءات التي تحل بمرتكب المحرم والمكروه؟ وكأنه يرى حرمة قسمه أعظم من حرمة الإقدام على المكروه والحرام! ومخالفة أوامر الله سبحانه! كيف هذا وهو الحافظ للدين والمحقق لشرائعه.

 فالحق أن هذا القسم عليها ما هو إلا نوع إرشاد وتأكيد على الإتيان بالأولى منها, وهو كإرشاد الله ـ سبحانه وتعالى ـ للنبي آدم × بأن لا يأكل من الشجرة, وغاية ما يفيده: أن نزول البلاء عليك بهذه المصيبة وإن كان يدفعك لمثل هذا فلا تقدمي عليه وإني أقسم عليك لتلتزمي بهذا لمعرفتي حبّك لي وإتباعك قولي, وفيه أيضاً: تنبيه على أن ما يقع بعد موتي يدعو إلى الثبات والنظر في حال الأطفال والأيتام والأرامل بحيث لا يقع الفصل بين موتي وهذا النظر ليتسع للبكاء علي وعلى ما أصابني, وقد بين هذا المعنى الشيخ الخليعي حين قال:

فأننا إن طغت علينا خطوب ** نتلقى الأذى بصبر جميل 

لا تشقي جيبا ولا تلطمي خدا ** فإنّا أهل الرضا والقبول 

واخلفيني على بناتي وكوني ** خير مستخلف لأكرم جيل

إذاً بعد كل هذا يظهر أن الخطاب خاص بمولاتي السيدة زينب سلام الله عليها وأنه من باب الإرشاد لا بيان الحكم الشرعي وعليه لا تأثيم على الشيعة فيما يظهر منهم من عناوين الجزع كاللطم والبكاء وغيرها, وقد وردت الروايات في استحباب البكاء وإقامة العزاء على سيد الشهداء الإمام الحسين ×.

فعظم الله أجور المعزين بمصاب سيد الشهداء, يا أبا عبد الله الحسين يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما.