ارسال السریع للأسئلة
تحدیث: ١٤٤٥/٨/١٥ من نحن منشورات مقالات الصور صوتيات فيديو أسئلة أخبار التواصل معنا
العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
تصنیف المقالات احدث المقالات المقالات العشوائية المقالات الاکثرُ مشاهدة
■ السید عادل العلوي (٤٨)
■ منير الخباز (١)
■ السید احمد البهشتي (٢)
■ حسن الخباز (١)
■ كلمتنا (٢٨)
■ الحاج حسين الشاكري (١١)
■ الاستاذ جعفر البياتي (٤)
■ صالح السلطاني (١)
■ الشيخ محمد رضا آل صادق (١)
■ لبيب بيضون (٧)
■ الدكتور الشيخ عبد الرسول غفّاري (١)
■ السيد حسين الحسني (١)
■ مكي البغدادي (٢)
■ الدكتور حميد النجدي (٣)
■ السيد رامي اليوزبكي (١)
■ سعيد إبراهيم النجفي (١)
■ الدکتور طارق الحسیني (٢)
■ السيّد جعفر الحلّي (١)
■ الاُستاذ ناصر الباقري (١)
■ السيّد محمّد علي الحلو (١)
■ السيّد شهاب الدين الحسيني (١)
■ شريف إبراهيم (١)
■ غدير الأسدي (١)
■ هادي نبوي (١)
■ لطفي عبد الصمد (١)
■ بنت الإمام كاشف الغطاء (١)
■ محمد محسن العید (٢)
■ عبدالله مصطفی دیم (١)
■ المرحوم السید عامر العلوي (٢)
■ میرنو بوبکر بارو (١)
■ الشیخ ریاض الاسدي (٢)
■ السید علي الهاشمي (١)
■ السيّد سمير المسكي (١)
■ الاُستاذ غازي نايف الأسعد (١)
■ السيّد فخر الدين الحيدري (١)
■ الشيخ عبد الله الأسعد (٢)
■ علي خزاعي (١)
■ محمّد مهدي الشامي (١)
■ محمّد محسن العيد (٢)
■ الشيخ خضر الأسدي (٢)
■ أبو فراس الحمداني (١)
■ فرزدق (١)
■ هيئة التحرير (٤٣)
■ دعبل الخزاعي (١)
■ الجواهري (٣)
■ الشيخ إبراهيم الكعبي (١)
■ حامدة جاودان (٣)
■ داخل خضر الرویمي (١)
■ الشيخ إبراهيم الباوي (١)
■ محمدکاظم الشیخ عبدالمحسن الشھابی (١)
■ میثم ھادی (١)
■ سید لیث الحیدري (١)
■ الشیخ حسن الخالدی (٢)
■ الشیخ وھاب الدراجي (١)
■ الحاج عباس الكعبي (٢)
■ ابراھیم جاسم الحسین (١)
■ علي محمد البحّار (١)
■ بلیغ عبدالله محمد البحراني (١)
■ الدكتورحسين علي محفوظ (١٠)
■ حافظ محمد سعيد - نيجيريا (١)
■ الأستاذ العلامة الشيخ علي الکوراني (٤)
■ عزالدین الکاشانی (١)
■ أبو زينب السلطاني - العراق (١)
■ فاطمة خوزي مبارک (١)
■ شیخ جواد آل راضي (١)
■ الشهید الشیخ مرتضی المطهري (١)
■ شيخ ماهر الحجاج - العراق (١)
■ آية الله المرحوم السيد علي بن الحسين العلوي (١٣)
■ رعد الساعدي (١)
■ الشیخ رضا المختاري (١)
■ الشیخ محمد رضا النائیني (٢)
■ الشيخ علي حسن الكعبي (٥)
■ العلامةالسيد محسن الأمين (١)
■ السید علي رضا الموسوي (٢)
■ رحیم أمید (٦)
■ غازي عبد الحسن إبراهيم (١)
■ عبد الرسول محي الدین (١)
■ الشیخ فیصل العلیاوي (١)
■ أبو حوراء الهنداوي (٢)
■ عبد الحمید (١)
■ السيدمصطفیٰ ماجدالحسیني (١)
■ السيد محمد الکاظمي (٣)
■ حسن عجة الکندي (٥)
■ أبو نعمت فخري الباکستاني (١)
■ ابن الوردي (١)
■ محمدبن سلیمان التنکابني (١)
■ عبد المجید (١)
■ الشيخ علي حسین جاسم البھادلي (١)
■ مائدۃ عبدالحمید (٧)
■ كریم بلال ـ الكاظمین (١)
■ عبد الرزاق عبدالواحد (١)
■ أبو بكر الرازي
■ الشيخ غالب الكعبي (٨)
■ ماھر الجراح (٤)
■ الدکتور محمد الجمعة (١)
■ الحاج کمال علوان (٣)
■ السید سعد الذبحاوي (١)
■ فارس علي العامر (٩)
■ رحيم اميد (١)
■ الشيخ محسن القرائتي (١)
■ الشيخ احمد الوائلي (١)
■ الشیخ علي حسن الکعبي (١)
■ عبد الهادي چیوان (٥)
■ الشیخ طالب الخزاعي (٥)
■ عباس توبج (١)
■ السید صباح البهبهاني (١)
■ شیخ محمد عیسی البحراني (١)
■ السید محمد رضا الجلالي (٦)
■ المرحوم سید علي العلوي (١)
■ یاسر الشجاعي (٤)
■ الشیخ علي الشجاعي (١)
■ میمون البراك (١)
■ مفید حمیدیان (٢)
■ مفید حمیدیان
■ السید محمد لاجوردي (١)
■ السید محمد حسن الموسوي (٣)
■ محمد محسن العمید (١)
■ علي یحیی تیمسوقي (١)
■ الدکتور طه السلامي (٣)
■ السید أحمد المددي (٦)
■ رقیة الکعبي (١)
■ عبدالله الشبراوي (١)
■ السید عبد الصاحب الهاشمي (٣)
■ السید فخر الدین الحیدري (١)
■ عبد الاله النعماني (٥)
■ بنت العلي الحیدري (١)
■ السید حمزة ابونمي (١)
■ الشیخ محمد جواد البستاني (٢)
■ نبیهة علي مدن (٢)
■ جبرئیل سیسي (٣)
■ السید محمد علي العلوي (٣)
■ علي الأعظمي البغدادي (١)
■ السید علي الخامنئي (١)
■ حسن بن فرحان المالکي (١)
■ ملا عزیز ابومنتظر (١)
■ السید ب.ج (٢)
■ الشیخ محمد السند
■ الشیخ محمد السند (١)
■ الشیخ حبیب الکاظمي (١)
■ الشیخ حسین عبید القرشي (١)
■ محمد حسین حکمت (١)
■ المأمون العباسي (١)
■ احمد السعیدي (١)
■ سعد هادي السلامي (١)
■ عبد الرحمن صالح العشماوي (١)
■ حسن الشافعي (١)
■ فالح عبد الرضا الموسوي (١)
■ عبد الجلیل المکراني (١)
■ الشريف المرتضی علم الهدی (١)
■ السيد أحمد الحسيني الإشكوري (١)
■ سید حسین الشاهرودي (١)
■ السيد حسن نصر الله (١)
■ ميثم الديري (١)
■ الدكتور علي رمضان الأوسي (٢)
■ حسين عبيد القريشي (١)
■ حسين شرعيات (١)
■ فاضل الفراتي (١)
■ السيد مهدي الغريفي (١)

احدث المقالات

المقالات العشوائية

المقالات الاکثرُ مشاهدة

سمات الشخصیة في فکر الإمام علي - مجلة الکوثر الثاني والثلاثون - شهر رجب المرجب 1436هـ -2015م


بسم الله الرحمن الرحیم
مكونات الشخصية الإنسانية
تعود شخصية كل إنسان - حسب ما يرى علماء النفس - إلى ثلاثة عوامل هامة لكل منها نصيب وافر في تكوين الشخصية وأثر عميق في بناء كيانها. وكأن الشخصية الإنسانية لدى كل إنسان أشبه بمثلث يتألف من اتصال هذه الأضلاع الثلاثة بعضها ببعض، وهذه العوامل الثلاثة هي:
 1 - الوراثة.
 2 - التعليم والثقافة.
 3 - البيئة والمحيط. 
إن كل ما يتصف به المرء من صفات حسنة أو قبيحة، عالية أو وضيعة تنتقل إلى الإنسان عبر هذه القنوات الثلاث، وتنمو فيه من خلال هذه الطرق. 
وإن الأبناء لا يرثون منا المال والثروة والأوصاف الظاهرية فقط كملامح الوجه ولون العيون وكيفيات الجسم، بل يرثون كل ما يتمتع به الآباء من خصائص روحية وصفات أخلاقية عن طريق الوراثة كذلك. فالأبوان - بانفصال جزئي « الحويمن « و « البويضة « المكونين للطفل منهما - إنما ينقلان - في الحقيقة - صفاتهما ملخصة إلى الخلية الأولى المكونة من ذينك الجزأين، تلك الخلية الجنينية التي تنمو مع ما تحمل من الصفات والخصوصيات الموروثة. 
ويشكل تأثير الثقافة والمحيط، الضلعين الآخرين في مثلث الشخصية الإنسانية، فإن لهذين الأمرين أثرا مهما وعميقا في تنمية السجايا الرفيعة المودعة في باطن كل إنسان بصورة فطرية جبلية أو الموجودة في كيانه بسبب الوراثة من الأبوين. 
فإن في مقدور كل معلم أن يرسم مصير الطفل ومستقبله من خلال ما يلقي إليه من تعليمات وتوصيات وما يعطيه من سيرة وسلوك ومن آراء وأفكار، فكم من بيئة حولت أفرادا صالحين إلى فاسدين، أو فاسدين إلى صالحين. 
وإن تأثير هذين العاملين المهمين من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى المزيد من البيان والتوضيح. على أننا يجب أن لا ننسى دور إرادة الإنسان نفسه وراء هذه العوامل الثلاثة. مكونات شخصية الإمام علي× لم يكن الإمام علي× بصفته بشرا بمستثنى من هذه القاعدة، فقد ورث الإمام أمير المؤمنين× جانبا كبيرا من شخصيته النفسية والروحية والأخلاقية من هذه العوامل والطرق الثلاثة، وإليك تفصيل ذلك:
 1 - الإمام علي× والوراثة من الأبوين: 
لقد انحدر الإمام علي من صلب والد عظيم الشأن، رفيع الشخصية هو أبو طالب، ولقد كان أبو طالب زعيم مكة، وسيد البطحاء، ورئيس بني هاشم، وهو إلى جانب ذلك، كان معروفا بالسماحة والبذل والجود والعطاء والعطف والمحبة والفداء والتضحية في سبيل الهدف المقدس، والعقيدة التوحيدية المباركة. 
فهو الذي تكفل رسول الله منذ توفي جده وكفيله الأول عبد المطلب وهو آنذاك في الثامنة من عمره، وتولى العناية به والقيام بشؤونه، وحفظه وحراسته في السفر والحضر، بإخلاص كبير واندفاع وحرص لا نظير لهما، بل وبقي يدافع عن رسالة التوحيد، والدين الحق الذي جاء به النبي الكريم| ويقوم في سبيل إرساء قواعده ونشر تعاليمه بكل تضحية وفداء، ويتحمل لتحقيق هذه الأهداف العليا كل تعب ونصب وعناء.
الدلائل على إيمان أبي طالب بدين ابن أخيه تبلغ من الوفرة والكثرة بحيث استقطبت اهتمام كل المحققين المنصفين والمحايدين، ولكن بعض المتعصبين توقف في إيمان تلك الشخصية المتفانية العظيمة، بالدعوة المحمدية، بينما تجاوز فريق هذا الحد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث قالوا بأنه مات غير مؤمن. ولو صحت عشر هذه الدلائل الدالة على إيمان أبي طالب الثابتة في كتب التاريخ والحديث في حق رجل آخر لما شك أحد في إيمانه فضلا عن إسلامه، ولكن لا يعلم الإنسان لماذا لا تستطيع كل هذه الأدلة إقناع هذه الزمرة، وإنارة الحقيقة لهم؟! هذا عن والد الإمام أمير المؤمنين×. 
وأما أمه فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي من السابقات إلى الإسلام والإيمان برسول الله| وقد كانت قبل ذلك تتبع ملة إبراهيم. إنها المرأة الطاهرة التي لجأت - عند المخاض - إلى المسجد الحرام، وألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول: « يا رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم وإنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت و (بحق) المولود الذي في بطني إلا ما يسرت علي ولادتي «. فدخلت فاطمة بنت أسد الكعبة ووضعت عليا هناك. 
تلك فضيلة نقلها قاطبة المؤرخين والمحدثين الشيعة، وكذا علماء الأنساب في مصنفاتهم، كما نقلها ثلة كبيرة من علماء السنة وصرحوا بها في كتبهم، واعتبروها حادثة فريدة، وواقعة عظيمة لم يسبق لها مثيل. 
وقال الحاكم النيسابوري: وقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة. 
وقال شهاب الدين أبو الثناء السيد محمود الآلوسي: « وكون الأمير كرم الله وجهه، ولد في البيت، أمر مشهور في الدنيا ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه، كما اشتهر وضعه «. 
2- الإمام علي وتربيته في حجر النبي|: 
وأما التربية الروحية والفكرية والأخلاقية فقد تلقاها علي× في حجر رسول الله| وهي الضلع الثاني من أضلاع شخصيته الثلاثة. 
ولو أننا قسمنا مجموعة سنوات عمر الإمام× إلى خمسة أقسام لوجدنا القسم الأول من هذه الأقسام الخمسة من حياته الشريفة، يؤلف السنوات التي قضاها× قبل بعثة النبي الأكرم|.
وإن هذا القسم من حياته الشريفة لا يتجاوز عشر سنوات، لأن اللحظة التي ولد فيها علي× لم يكن النبي| قد تجاوز الثلاثين من عمره المبارك، هذا مع العلم بأنه| قد بعث بالرسالة في سن الأربعين. وعلى هذا الأساس لم يكن الإمام علي× قد تجاوز السنة العاشرة من عمره يوم بعث رسول الله| بالرسالة، وتوج بالنبوة. 
إن أبرز الحوادث في حياة الإمام علي× هو تكوين الشخصية العلوية، وتحقق الضلع الثاني من المثلث الذي أسلفناه بواسطة النبي الأكرم، وفي ظل ما أعطاه| لعلي× من أخلاق وأفكار، لأن هذا القسم في حياة كل إنسان وهذه الفترة من عمره هي من اللحظات الخطيرة، والقيمة جدا، فشخصية الطفل في هذه الفترة تشبه صفحة بيضاء نقية تقبل كل لون، وهي مستعدة لأن ينطبع عليها كل صورة مهما كانت، وهذه الفترة من العمر تعتبر - بالتالي - خير فرصة لأن ينمي المربون والمعلمون فيها كلما أودعت يد الخالق في كيان الطفل من سجايا طيبة وصفات كريمة، وفضائل أخلاقية نبيلة، ويوقفوا الطفل - عن طريق التربية - على القيم الأخلاقية والقواعد الإنسانية وطريقة الحياة السعيدة، وتحقيقا لهذا الهدف السامي تولى النبي الكريم| بنفسه تربية علي× بعد ولادته، وذلك عندما أتت فاطمة بنت أسد بوليدها علي× إلى رسول الله| فلقيت من رسول الله حبا شديدا لعلي حتى أنه قال لها: « اجعلي مهده بقرب فراشي « وكان| يطهر عليا في وقت غسله، ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويلاحظه ويقول: « هذا أخي، ووليي، وناصري، وصفيي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيتي، وخليفتي «. 
ولقد كانت الغاية من هذه العناية هي أن يتم توفير الضلع الثاني في مثلث الشخصية (وهو التربية) بواسطته|، وأن لا يكون لأحد غير النبي| دخل في تكوين الشخصية العلوية الكريمة. 
وقد ذكر الإمام علي× ما أسداه الرسول الكريم إليه وما قام به تجاهه في تلكم الفترة إذ قال: « وقد علمتم موضعي من رسول الله| بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه «. 
النبي يأخذ عليا إلى بيته: وإذ كان الله تعالى يريد لولي دينه أن ينشأ نشأة صالحة وأن يأخذ النبي عليا إلى بيته وأن يقع منذ نعومة أظفاره تحت تربية النبي الأكرم|، ألفت نظر نبيه إلى ذلك. 
قد ذكر المؤرخون أنه أصابت مكة - ذات سنة - أزمة مهلكة وسنة مجدبة منهكة، وكان أبو طالب - رضي الله عنه - ذا مال يسير وعيال كثير فأصابه ما أصاب قريشا من العدم والضائقة والجهد والفاقة، فعند ذلك دعا رسول الله عمه العباس إلى أن يتكفل كل واحد منهما واحدا من أبناء أبي طالب وكان العباس ذا مال وثروة وجدة فوافقه العباس على ذلك، أخذ النبي علياً، وأخذ العباس جعفراً وتكفل أمره، وتولى شؤونه. 
هكذا وللمرة الأخرى أصبح علي× في حوزة رسول الله| بصورة كاملة، واستطاع بهذه المرافقة الكاملة أن يقتطف من ثمار أخلاقه العالية وسجاياه النبيلة، الشئ الكثير، وأن يصل تحت رعاية النبي وعنايته وبتوجيهه وقيادته، إلى أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي. وهذا هو الإمام أمير المؤمنين× يشير إلى تلك الأيام القيمة وإلى تلك الرعاية النبوية المباركة المستمرة إذ يقول: « ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به «. 
علي في غار حراء: 
كان النبي - حتى قبل أن يبعث بالرسالة والنبوة - يعتكف ويتعبد في غار حراء شهرا من كل سنة، فإذا انقضى الشهر وقضى جواره من حراء انحدر من الجبل، وتوجه إلى المسجد الحرام رأسا وطاف بالبيت سبعا، ثم عاد إلى منزله. 
وهنا يطرح سؤال: ماذا كان شأن علي× في تلك الأيام التي كان يتعبد ويعتكف فيها رسول الله| في ذلك المكان مع ما عرفناه من حب الرسول الأكرم له؟ هل كان يأخذ| عليا معه إلى ذلك المكان العجيب أم كان يتركه ويفارقه؟ إن القرائن الكثيرة تدل على أن النبي| منذ أن أخذ عليا لم يفارقه يوما أبدا، 
فهاهم المؤرخون يقولون: كان علي يرافق النبي دائما ولا يفارقه أبدا، حتى أن رسول الله| كان إذا خرج إلى الصحراء أو الجبل أخذ عليا معه. 
يقول ابن أبي الحديد: وقد ذكر علي× هذا الأمر في الخطبة القاصعة إذ قال: « ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري «. 
إن هذه العبارة وإن كانت محتملة في مرافقته للنبي في حراء بعد البعثة الشريفة إلا أن القرائن السابقة وكون مجاورة النبي بحراء كانت في الأغلب قبل البعثة، تؤيد أن هذه الجملة، يمكن أن تكون إشارة إلى صحبة علي للنبي في حراء قبل البعثة. 
إن طهارة النفسية العلوية، ونقاوة الروح التي كان علي× يتحلى بها، والتربية المستمرة التي كان يحظى بها في حجر رسول الله|، كل ذلك كان سببا في أن يتصف علي× - ومنذ نعومة أظفاره - ببصيرة نفاذة وقلب مستنير، وأذن سميعة واعية تمكنه من أن يرى أشياء ويسمع أمواجا تخفى على الناس العاديين، ويتعذر عليهم سماعها ورؤيتها، كما يصرح نفسه بذلك إذ يقول: « أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة «. 
يقول الإمام الصادق×: « كان علي× يرى مع رسول الله| قبل الرسالة الضوء، ويسمع الصوت «. وقد قال له النبي|: لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة، فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي ووارثه، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء «. ويقول الإمام علي×: « لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه| فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته، ثم قال له: « إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير « هذا هو الرافد الثاني الذي كان يرفد الشخصية العلوية بالأخلاق والسجايا الرفيعة.
3- البيئة الرسالية وشخصية الإمام: 
ولو أضفنا ذينك الأمرين (أي ما اكتسبه من والديه الطاهرين بالوراثة، وما تلقاه في حجر النبي) إلى ما أخذه من بيئة الرسالة والإسلام من أفكار وآراء رفيعة، وتأثر عنها أدركنا عظمة الشخصية العلوية من هذا الجانب. 
ومن هنا يحظى الإمام علي× بمكانة مرموقة لدى الجميع، مسلمين وغير مسلمين، لما كان يتمتع به من شخصية سامقة، وخصوصيات خاصة يتميز بها. 
وهذا هو ما دفع بالبعيد والقريب إلى أن يصف عليا بما لم يوصف به أحد من البشر، ويخصه بنعوت، حرم منها غيره، فهذا الدكتور شبلي شميل المتوفى سنة 1335 ه‍ـ / 1917 م وهو من كبار الماديين في القرن الحاضر يقول: الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء نسخة مفردة لم ير لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديما ولا حديثا. 
قال عمر بن الخطاب: « عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب «. 
ويقول جورج جرداق الكاتب المسيحي اللبناني المعروف: « وماذا عليك يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كل زمن عليا بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره «. 
هذه الأبعاد التي ألمحنا إليها هي الأبعاد الطبيعية للشخصية العلوية. لشخصية اسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه اليلام.
4-البعد المعنوي لشخصية الإمام×: 
غير أن أبعاد شخصية الإمام علي× لا تنحصر في هذه الأبعاد الثلاثة، فإن لأولياء الله سبحانه بعدا رابعا، داخلا في هوية ذاتهم، وحقيقة شخصيتهم، وهذا البعد هو الذي ميزهم عن سائر الشخصيات وأضفى عليهم بريقا خاصا ولمعانا عظيما. 
وهذا البعد هو البعد المعنوي الذي ميز هذه الصفوة عن الناس، وجعلهم نخبة ممتازة وثلة مختارة من بين الناس، وهو كونهم رسل الله وأنبياءه، أو خلفاءه وأوصياء أنبيائه. 
نرى أنه سبحانه يأمر رسوله أن يصف نفسه بقوله: « قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا «. 
فقوله: « بشرا « إشارة إلى الأبعاد البشرية الموجودة في كل إنسان طبيعي، وإن كانوا يختلفون فيها فيما بينهم كمالا ولمعانا. 
وقوله: « رسولا « إشارة إلى ذلك البعد المعنوي الذي ميزه| عن الناس وجعله معلما وقدوة للبشر، فلأجل ذلك يقف المرء في تحديد الشخصيات الإلهية على شخصية مركبة من بعدين: طبيعي وإلهي ولا يقدر على توصيفها إلا بنفس ما وصفهم به الله سبحانه مثل قوله في شأن الرسول الأكرم|: ﴿   الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ وقد نزلت في حق الإمام أمير المؤمنين× آيات، ووردت روايات. كيف وقد قال رسول الله|: « عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب× «.
وقال|: « من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي «. 
وقال الإمام أحمد بن حنبل: ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي (رض). وقال الإمام الفخر الرازي: من اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه. وقال أيضا: من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى لقول النبي|: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار.
من أجمل ما قرأت واطلعت في وصف شخصية أمير المؤمنين حينما قال ضرار بن ضمرة الكناني وهو يصف الإمام علي بن أبي طالب حينما قال: (كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، كان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطنه، ولا ييأس الضعيف من عدله).
عجائب شتّى في شخصيّة الإمام عليّ×:
إنّ حياة أمير المؤمنين× أشبه ما تكون بمحيط لا يتيسّر للمرء الإحاطة بكلّ آفاقه بنظرة واحدة أو حتّى عبر دراسة طويلة؛ فالمحيط من حيثما تأتيه تجده زاخراً بالعظمة، تجده مجمعاً لبحور عميقة القعر، فيها كائنات مختلفة الأشكال والصور، وعجائب شتّى. وإذا ما تركنا هذا الجانب ودخلنا المحيط من جانب آخر، فالكلام هو الكلام  حيث نرى آيات العظمة والمشاهد والصور المختلفة. وإذا وردناه من ضفّة ثالثة أو رابعة أو خامسة أو عاشرة، فيأتي نفس الكلام أيضاً فنرى في كلّ جهة عجائب أخرى.
هذا طبعاً مجرّد مثال مصغّر ولا يفي بالغرض عن شخصيّة أمير المؤمنين×. ومن حيثما تنظر إلى هذه الشخصيّة تجدها تنطوي على عجائب جمّة  ولا مبالغة في هذا  بل هو انعكاس لعجز إنسان دَرَسَ حياة أمير المؤمنين× سنوات متمادية واستشعر هذا الإحساس في نفسه، وأدرك أنّ شخصية عليّ× لا يمكن سبر أغوارها بأسباب الفهم المتعارف من ذهن وعقل وحفظ وإدراكات عاديّة؛ لأنّ كلّ جانب من جوانبها زاخر بالعجائب.
طبعاً أمير المؤمنين× نسخة مصغّرة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وتلميذ له، ولكن إذا شئنا النظر إلى هذا الرجل الّذي يَعتَبِر نفسه صغيراً أمام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو تلميذ بالمنظار البشريّ، يبدو لنا رجلاً فوق النمط البشريّ وفوق المستوى الإنسانيّ. 
ونحن غير قادرين على تصوّر إنسان بمثل هذه الآفاق العظيمة؛ لأنّ أسباب الفَهْم المتوفّرة لدى الإنسان من عقل وذهن وإدراك ولا أقول عدسة التصوير التلفزيونيّ فهي أخسّ من ذلك والعقل البشريّ أسمى من هذه الوسائل الماديّة هي أدنى من أن تبيّن ماهيّة أمير المؤمنين× لمن لم يبلغ مقام الكشف المعنويّ. 
طبعاً هناك من لهم حضور معنويّ وشهود روحيّ لعلّهُ يؤهّلهم لإدراك كنه تلك الشخصيّة، إلّا أنّ أمثالنا عاجزون عن ذلك.
تضادّ الصفات في شخصيّة الإمام×: 
أشير إلى خصلة اتّصفت بها حياة أمير المؤمنين× أعبّر عنها بتوازن شخصيته. كان أمير المؤمنين× أعجوبة في اتّزانه الشخصيّ، صفات متضادّة ومتخالفة قد اجتمعت في شخصيّته بشكل جميل، حتّى أضحت بذاتها وجوداً جميلاً. ولا يجد الإنسان مثل هذه الصفات قد اجتمعت في أحد، لكنّها قد اجتمعت في أمير المؤمنين× بكثرة واسعة. وأعرض في ما يلي بعض هذه الصفات المتضادّة الّتي اجتمعت فيه×.
اجتماع القوّة والمظلوميّة في الإمام عليّ×:
هل كان ثمّة رجل في عصره أقوى منه، أو له مثل تلك القوّة الحيدريّة؟ لم يتحدّ علياً× أحد  ولم يجرؤ أحد على ادّعاء ذلك حتّى آخر حياته. نفس هذا الإنسان كان أكبر أهل زمانه مظلوميّة والأكثر ظلامة منهم، بل ويقال وهو قول صحيح لعلّه أكثر إنسان ظُلم في تاريخ الإسلام. إنّ القوّة والمظلوميّة شيئان لا يجتمعان؛ فالمتعارف أنّ الأقوياء لا يُظلمون، غير أنّ أمير المؤمنين× ظُلم.
زهد الإمام عليّ×:
المثال الآخر هو الزهد والإعمار، فأمير المؤمنين× كان مثالاً في زهده وإعراضه عن الدنيا. ولعل أبرز أو أحد أبرز مواضيع نهج البلاغة هو الزهد  وهو في نفس الحال طوال فترة الخمس والعشرين سنة بين وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتسلّمه الخلافة كان ينفق من ماله الخاصّ في أعمال العمران، فكان يزرع البساتين والمزارع، ويحفر الآبار، ويشقّ الأنهار، والمدهش أنّه كان يتصدّق بكلّ ذلك في سبيل الله، فقلما يجتمع  الزهد والحكم في شخصية واحدة. 
لا بأس أن نعلم بأنّ أمير المؤمنين× كان أكثر الناس عائدات في عصره، وقد نقل عنه أنّه قال:» إنّ صدقتي لو وزع على بني هاشم لوسعهم»   لكن هذا الإنسان الثريّ كان يعيش حياة فقيرة على أشدّ ما يكون من الفقر؛ لأنّه كان ينفق كلّ تلك الثروة في سبيل الله.
يروي أحدهم أنّه رأى علياً× يحفر بئراً بيده، ثم يقول: رأيت الماء قد تدفّق منها كأوداج الجمل، خرج أمير المؤمنين× من البئر وهو ملطخ بالطين  وجلس عند حافّة البئر ودعا بورق وكتب فيه أنّ هذه البئر أوقفها عليّ بن أبي طالب× على أشخاص ذكرهم.
إنّ ما يلاحظ في عهد حكومة أمير المؤمنين× إنّما هو امتداد لحياته ومسيرته الخاصّة  فمن الطبيعيّ أن الزهد بالدنيا لا يتنافى مع بنائها الّذي جعله الله واجباً على الجميع، فأمر بإعمار الدنيا، وتكوين الثروات، ولكن بشرط أن لا يكون الإنسان عبداً لها أو يجعل نفسه طوع أمرها، من أجل أن يكون قادراً على الإنفاق في سبيل الله بكلّ سهولة.
هذا هو التوازن الإسلاميّ. والأمثلة من هذا الطراز كثيرة، ولو أردت ذكر أمثلة لها لاستغرقت وقتاً طويلاً.
مثال ورعه وحكومته:
الورع يعني: اجتناب كلّ ما يحتمل فيه الكراهيّة. ولكن كيف ينسجم هذا مع الحكومة؟ هل يتسنّى للإنسان أن يكون ورعاً إلى هذا الحدّ وهو في الحكم؟. فنحن الآن في الحكم نشعر بأهميّة وجود مثل هذه الخصلة؛ لأنّ الإنسان وهو في الحكم يتعامل مع قضايا عامّة وينفّذ قوانين، ولكن قد يكون في هذا القانون ظلم لإنسان في مكان ما  والشخص المكلّف بتنفيذ القانون بشر أيضاً وقد يُسيء تطبيق القانون.
فكيف يتأتّى للمرء التزام الورع في كلّ هذه التفاصيل الجزئيّة الّتي تستعصي على الإحاطة؟ لهذا يبدو في الظاهر أنّ الحكومة والورع لا يجتمعان  إلّا أنّ أمير المؤمنين× جمع غاية الورع مع أقوى حكومة  وهذا ممّا يثير العَجَب. لم يكن يجامل أحداً؛ فإذا استشعر من والٍ ضعفاً وأحسّ أنّه لا يناسب هذا العمل، عزله. كان محمّد بن أبي بكر بمثابة ابنه وكان يحبّه محبّة أبنائه، وهو أيضاً كان ينظر إليه نظرة الولد للوالد.
كان محمّد أصغر أبناء أبي بكر، وتلميذاً مخلصاً للإمام× وقد تربّى في حجره  كان قد أرسله والياً على مصر  ثمّ كتب له فيما بعد كتاباً بعزله لعدم كفاءته في إدارة مصر  وعيّن بدله مالك الأشتر. ومن الطبيعيّ أن يستاء محمّد بن أبي بكر من ذلك، فالإنسان مهما كبر شأنه يستاء لمثل هذا  لكن أمير المؤمنين× لم يعتنِ لذلك.
محمّد بن أبي بكر مع ما له من شخصيّة جليلة، ومع ما لموقفه يوم الجمل وعند البيعة من أهميّة؛ فهو ابن أبي بكر وأخو أمّ المؤمنين عائشة، وعلى الرغم من مكانته عند أمير المؤمنين×  إلّا أنّه لم ينظر إلى استيائه وامتعاضه. هذا هو الورع الّذي ينفع الإنسان وهو في الحكم  وقد تجسّد منتهى هذا الورع في شخصيّة أمير المؤمنين×. لقد اجتمع ورع أمير المؤمنين× مع حكمه القويّ، وهذا ما لم نسمع به في العالم على مدى التاريخ. 
الخلفاء الّذين سبقوا علياً× كان لهم حزم في الكثير من المواقف  ويقرأ الإنسان في سيرتهم أعمالاً استثنائيّة  إلّا أنّ الفارق بين أمير المؤمنين× ومن سبقه ومن تلاه حتّى يومنا هذا فارق عجيب لا يمكن وصفه ومقارنته.
استغفار الإمام عليّ×:
من الخصائص الأخرى لدى أمير المؤمنين× هو الاستغفار؛ إذ كان للدعاء والتوبة والإنابة والاستغفار حيّز واسع في حياة أمير المؤمنين×  فهو كان يقاتل ويُعبّئ الجيوش، ويُدير شؤون دولة كانت تعتبر من أكبر الدول يومذاك  وقد حكمها مدّة تناهز الخمس سنوات فالدولة الّتي حكمها كانت تضم حوالي عشرة بلدان وهذا السلطان الواسع بكلّ ما يستلزمه من جهود ومساعٍ كان أمير المؤمنين× يديره بكلّ جدارة، إضافة إلى ميادين الحرب وإدارة الشؤون الاجتماعيّة للمسلمين، والقضاء بين الناس والمحافظة على حقوق أبناء المجتمع، كانت أعمالاً كبرى ومهمّة وتتطلّب عملاً ومثابرة  وتستحوذ على وقت الإنسان برمّته  وفي مثل هذه المواقف يقول الإنسان المحدود ببعد واحد: إنّ دعائي وعبادتي هو هذا، فأنا أعمل في سبيل الله، لكن أمير المؤمنين× لم يقل هذا، بل كان يؤدّي تلك الأعمال، ويَعْبُد أيضاً. 
جاء في بعض الأخبار وإن لم أكُن قد دقّقت في مدى صحتها أنّه× كان يصلّي أحياناً في اليوم والليلة ألف ركعة  وهذه الأدعية الّتي تسمعونها هي أدعية أمير المؤمنين×  فهو قد بدأ الدعاء والتضرّع والإنابة منذ أيّام شبابه  كان حينها في شغل متواصل.
وفي أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان شاباً ثوريّاً وله حضور في جميع الميادين  أي إنّه كان في حالة عمل دؤوب  ليس لديه وقت فراغ  حتّى في مثل تلك الظروف حين تَساءل جماعة من القوم عن أكثر الناس عبادة قال أبو الدرداء: عليّ أكثر الناس عبادة
قالوا: كيف؟ فذكر لهم مثلاً على ذلك وأقنعهم: كان حينها شاباً يبلغ من العمر نيفاً وعشرين سنة  وهكذا كان دأبه في الفترة الّتي تلتها، وفي أيّام خلافته.
هناك قصص متنّوعة عن عبادة أمير المؤمنين× مثل قصّة نوف البكاليّ. وهذه الصحيفة العلويّة الّتي جمعها عظماء العلماء تعكس الأدعية المأثورة عن أمير المؤمنين×  وأحدها هو دعاء كميل الّذي تقرأونه ليالي الجمعة.
ودعاء كميل دعاء عظيم  يبدأ بالاستغفار  ويقسم على الله بعشرة أشياء منها: «اللّهمّ إني أسألك برحمتك الّتي وسعت كلّ شيء»، ويسأله غفران خمسة ذنوب: «اللّهمّ اغفر لي الذنوب الّتي تهتك العصم، اللّهمّ اغفر لي الذنوب الّتي تنزل النقم، اللّهمّ اغفر لي الذنوب الّتي تحبس الدعاء و...الخ». أي أنّه يستغفر من أوّل الدعاء حتّى آخره، وهذه هي السمة الأساس في دعاء كميل.
 دُعاء كُميل من الأدعية المشهورة والمعروفة جدّاً لدى أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، يحرصون على قراءته في كلّ ليلة جمعة، وفي ليلة النصف من شهر شعبان، تبعاً للروايات الواردة في فضله وأثره البالغ في تربية النفس، ولما يحتويه من المعاني الرفيعة، وهو كنزٌ من الكنوز الثمينة جدّاً، لأنّه يزخر بالدروس العقائديّة والتربويّة، ويقويّ في الإنسان المؤمن روح العبوديّة والتوجه إلى الله عَزَّ وجَلَّ. إنّه من أفضل الأدعية وهو دُعاء الخضر ×  وقد علّمه أمير المؤمنين×  كميلاً، وهو من خواصّ أصحابه..
وهو كُمَيْل بن زياد بن سُهيل بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع، وُلِد باليمن سنة سبع قبل الهجرة، أسلم صغيراً و أدرك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل إنَّه لـم يره، ارتحل مع قبيلته إلى الكوفة في بدء انتشار الإسلام، كان من سادات قومه، وكانت له مكانة ومنـزلة عظيمة عندهم، وكان  رحمه الله  من ثقات أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ×  وخواصِّه وعاملهُ على (هيت)، رَوَى عَنْ أمير المؤمنين×  أحاديث كثيرة أشهرها دعاء كميل الّذي اشتُهر به، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي لحُبه ووِلائه لأمير المؤمنين ×، راجع: الإرشاد، الشيخ المُفيد، ج 1، ص 327.
الصلاح جامع صفات الإمام علي×:
هذه الكلية العامة التي ارتأيناها تصبغ حياة الإمام علي× هي بعينها التي وصفهُ بها الباري عزوجل، حيث نعته بأنه «صالح المؤمنين» في قوله تعالى: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ التحريم: 4
وجاء في تفسير قوله تعالى «صالح المؤمنين» أنه الإمام علي× كما جاء في كنز العمال 1/237- شواهد التنزيل 2/342- فتح الباري لابن حجر10/350- نظم درر السمطين للزرندي الحنفي 77. ومعنى قوله «صالح المؤمنين» أي خيرتهم وأفضلهم تفسير «من هدى القرآن» للمرجع السيد المدرسي دام ظله، 16 / 110. ومما لاشك فيه أن الإمام علي× هو أفضل المؤمنين بموجب الأحاديث الشريفة العديدة التي جعلته أول المؤمنين وأفضلهم بعد رسول الله |. وقد قال الإمام الصادق× في تأويل الآية: «صالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب×» نور الثقلين 5 / 370.
والذي نريد التوصل إليه، هو أن كل الصفات الإيجابية التي كانت منطلقاً ودافعاً للإمام علي في حياته كانت منطوية ومنصبغة بطابع الصلاح. فالصلاح هو الجامع الكلي لكل المبادئ الخيرة التي نراها في شخصيته وسلوكه العالي. فالصلاح في عقيدته نتج عنه التوحيد الكامل، والإيمان القوي بالله المعبود والخالق الحقيقي للكون. والصلاح في روحه ونفسه نتج عنه حالة حق التقوى لقوله تعالى ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾  والخوف من الله والعمل للآخرة. والصلاح في العقل والتفكير نتج عنه حالة عين اليقين. والصلاح في السلوك نتج عنه السمو الأخلاقي الرفيع.
ولأن الإمام علياً في الدرجة العليا من الصلاح، فقد انعكس على حصوله على أعلى الدرجات في مختلف الجوانب الإيجابية. فإننا نقرأ في زياراته أنه «سيد الوصيين... صالح المؤمنين... سيد الصديقين...إمام المتقين» راجع زيارات الإمام علي× التي جاءت بلسان أهل البيت^ في كتاب مفاتيح الجنان.
وهذا الصلاح التام المتكامل العالي في عقيدته وسلوكه وشخصيته وحياته جعل من الإمام علي الامتداد الطبيعي لشخصية النبي، ووصياً وخليفة له | اختياراً من الله جل وعلا لا نرى داعياً للاستدلال على ذلك، فقد استفاضت الكتب الروائية والتاريخية وكتب المفكرين في إيضاح هذا الأمر، ووفقاً لرويات من كتب أهل السنة والشيعة، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب المراجعات للإمام شرف الدين الموسوي، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة للسيد مرتضى الفيروزابادي، وغيرها من الكتب.

مبادئ الصلاح في شخصية الإمام علي×:
صلاح العقيدة: التوحيد:
يُعد توحيد الخالق والمعبود هو المبدأ الأول في صلاح عقيدة المرء، لأن الشرك والتعدد العقدي يؤدي الى حالة التنازع الداخلي والتضارب في الذات. كما أن التوحيد هو المنطلق الأساس في حركة الأنبياء والأوصياء^. فهم يستهدفون عبادة خالقٍ واحدٍ أحدٍ لا شريك له، ولا مثيل له، ولا عديل معه. هذا التوحيد يتجسد عملياً في عبادة الله وحده والخوف منه، والإخلاص في عبادته بعيداً عن الرياء والسمعة، وعدم الخوف من عباده ومخلوقاته. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا﴾ الأحزاب: 39
والإمام علي هو رأس الموحدين، علماً وعملاً. فقد استوعب التوحيد في حقيقته التامة استيعاباً متعمقاً أنعكس على سلوكياته وفكره، مما جعله أستاذ علم التوحيد، ومن منهله عُرفت مفاهيم التوحيد، وحقيقته في الحياة. قال×: «أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له» (نهج البلاغة - الخطبة الأولى).
وهذا الفهم المعمق للتوحيد قد كيّف سلوكه وجعله ينظر الى الله كما قال: «ما رأيت شيئاً إلا وجدت الله قبله، ومعه، وبعده» العقيدة الإسلامية للسبحاني 137 نقلاً عن تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى- بحار الأنوار 70/22
وقد اشتهر عنه أنه لا يخاف في الله لومة لائم. ولعل هذه الصفة هي السبب الرئيسي في خشية بعض المسلمين منه وخوفهم من سلطته، حيث كان جاداً لا يداهن في الدين أحداً. ولا يرضى بأنصاف الحلول إذا تعلقت الأمور بشرع الله. 
والتوحيد له انعكاساته في السلوك البشري من حيث اتباع أوامر الله دون غيره من هوى أو بشر. كما أن التوحيد له مدلوله فيما يخص وحدة خط القيادة، ابتداءً من ولاية الله أولاً ثم ولاية الرسول ثانياً ثم ولاية الأئمة من بعده كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ المائدة: 55.
إن هذا التجسيد الحيوي لمفهوم القيادة والولاية له انعكاساته على الوضع السياسي من حيث ضرورة اتباع الرسول والأئمة الراشدين من بعده، واعتبارهم هم الخلفاء الذين يقودون الأمة دون غيرهم. وقد عبّر الإمام علي× مراراً عن مفهوم التوحيد في الولاية، وأكد على أن الأمة لا تصلح إلا بآل محمد دون سواهم. كما في قوله: «لايقاس بآل محمد | من هذه الأمة أحد، و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً. هم أساس الدين وعماد اليقين، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصيّة والوراثة» نهج البلاغة - نهاية الخطبة الثانية..
وفي موقع آخر يبين أن خط القيادة الواعي والعالم هم آل محمد دون سواهم بقوله: «أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً أن رَفَعَنَا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يُستعطى الهدى ويستجلى العمى.
إن الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على من سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم» (شرح الإمام محمد عبده 2 /27 الخطبة 140).
إن هذا المبدأ التوحيدي في القيادة والولاية يستدعي اختصاص آل محمد بالمناصب القيادية في الأمة دون غيرهم للأسباب التي أوردها الإمام والتي نستخلص منها التالي:
* إنهم قد ميزهم الله فلا يقاس بهم أحد من الأمة، وهذا التمييز يعود لتضحياتهم وعلمهم.
* إنهم ذوو فضل على الأمة، فالرسول منهم، وهم الذين رسّخوا هذا الدين وبفضلهم عُرف الكتاب.
* كما أنهم أساس هذا الدين، لأن الدين اعتمد في قوته وانتشاره على تضحيات أهل البيت وما قدموه من دماء زاكيات، وفي الحديث «أساس الدين حبي وحب أهل بيتي» (كنز العمال خ37631) – (الدر المنثور 6/7).
* والإيمان بإمامتهم هو مقياس اليقين وعماده.
* وبالتالي فهم القادة الذين يعدون المقياس الصحيح لتطبيق الدين، فمن غالى في الدين، فعليه أن يرجع الى سلوكهم، ومن قصر فعليه أن يلحق بهم.
* كما « أن لهم حق الولاية العامة على الناس، لأنه حق من الله، وله خصائص وميزات ككون الولي معصوماً وأشجع الناس وأحسنهم خلقاً وأفضلهم، وهذا كله مجتمع في آل محمد |» (توضيح نهج البلاغة للإمام الشيرازي 1 /64).
* وهم يتمتعون أيضاً بأن «فيهم الوصية من الرسول حيث أوصى قائلاً: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي» راجع مسند ابن حنبل 3/14، سنن الترمذي 5/662، صحيح مسلم 4/1873، الخصائص للنسائي150.
* وهم ورثة رسول الله في مادياته ومعنوياته وموقعه القيادي.
* إن أهل البيت هم الراسخون في العلم، والرسوخ في العلم درجة عالية يكون بسببها فهم القرآن وتأويله وتفسيره. أما الادعاء بهذه المنزلة فهو كذب وبغي؛ وسبب هذا الادعاء الباطل هو رفعة أهل البيت وضعة أولئك الدجالين الذين أرادوا منزلة هي ليست بحجمم ولم تعط لهم.
* وبسبب هذه المنزلة يكون أهل البيت هم المؤهلين لهداية الأمة وإنقاذها من العمى والضلال.
* والائمة من قريش الذين عناهم رسول الله، هم علي وأبناؤه دون سواهم. وتضيع الخلافة ويذهب عطاؤها إن جاء غيرهم فيها. كما أن الولاة من غيرهم معرضون للخطأ والمعصية وهو ما يجعل من وجودهم في موقع القيادة مصدراً لتحريف الأمة وقيادتها باتجاه خاطئ.
هذه المفاهيم المتعمقة لمبدأ التوحيد وتطبيقاته في قضية القيادة، جعلت من الإمام ينظر إلى كافة الولاة والحكام من خلال هذا المبدأ. فمن كان دون آل محمد فهم ليسوا بأكفاء لمناصب قيادة الأمة للأسباب السابقة. وهذا ما يوضح لنا أحد أهم أسباب معارضته المبدئية للخلفاء الثلاثة الذين سبقوه.
صلاح الروح: التقوى:
المبدأ الثاني الذي يحكم مواقف الإمام علي× متعلق بصلاح الروح وهو تقوى الله والخشية منه، فحين ينبسط شعاع التوحيد في روح الإنسان، يعظُم الخالق في نفس المرء ويصبح طلب رضاه والخوف من غضبه أمراً أساسياً لديه. ولقد كانت التقوى راسخةً في قلب الإمام علي بالدرجة التي وصل إلى أبعد أعماقها علماً بها، وتطبيقاً حياً متجسداً في سلوكه وحياته. 
ففي الجانب العلمي والمعرفي للتقوى كان الإمام علي من أبرز من وضعوا لوائح التقوى، وسبر أغوارها، وأضاء أبعادها في الحياة. ففي نهج البلاغة الذي يتضمن أبرز خطب الإمام علي وكلماته وحكمه ورسائله، تجد للتقوى مساحة واسعة من فكر الإمام وتوجيهاته. فقد ركزها في عقول ونفوس المسلمين، وجعلها الوصية الأولى، كما عُرف عن أهل البيت أن «وصيتهم التقوى» جاء في الزيارة الجامعة في مخاطبة أهل البيت^ «ووصيتكم التقوى» مفاتيح الجنان. ومن ضمن إحدى خطبه، قال:
« إن تقوى الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم...» (شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده، 2 /173).
وفي خطبته الشهيرة «صفات المتقين»، يسرد× صفاتهم واحدة واحدة في انتظام رائع، مبتدأ بقوله: « فالمتقون هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرّم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم...» (شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده، 2 /160)
إلى أن يعدد حوالي تسع وتسعين صفة من صفات المتقين، ولعل هذه الخطبة هي الجامعة المانعة لصفات المتقين في جميع الأبعاد. 
إن ما يهمنا هو أن الإمام علي× كان خبيراً بالتقوى، وهذه الخبرة لم تأت فقط بسبب التراكم المعرفي والتدبر في آيات الله التي احتوت على صفات عديدة للمتقين، أو التلمذة الفكرية التي نالها الإمام من لدن الرسول الأعظم |، بل جاءت أيضاً بسبب التعامل اليومي والسلوك العملي الذي كان يعيشه الإمام في لحظات حياته ومواقفه بالاستناد إلى مبدأ التقوى، مما ألهمه تبصراً وتعمقاً بها إلى أبعد الحدود. 
فما أكثر الفرص السياسية التي تركها الإمام علي، وكان باستطاعته أن يستغلها لتحقيق بعض أهدافه الإيجابية في نصرة الدين وقيادة الأمة، ولكنه كان يستشعر مخالفتها لتقواه ومبادئه الرفيعة، فمن ذلك حين عرض عليه عبد الرحمن بن عوف في مجلس الشورى الذي عينه عمر بن الخطاب بأن يكون الإمام هو الخليفة بشرط أن يقر بأنه يسير على سيرة الشيخين أبي بكر وعمر، فامتنع الإمام، مصراً على أن يسير بكتاب الله وسنة نبيه فقط. وكان باستطاعته أن يجيب بنعم ثم يعمل بما شاء له رأيه ويحصل على منصب الخلافة، إلا أن نفسه الكبيرة تأبى عليه أن يكون ممن ينتهز الفرص مقابل كلمة وموقف لا يؤمن به، فهو ممن عارض الشيخين في أصل الحكم، وفي منهجيهما وسيرتهما، فكيف يتسنى له أن يوافق على السير على ما لا يرتضيه. يقول الإمام في مثل هذه الفرص: «قد يرى الحوّلُ القلّبُ وجه الحيلة، ومن دونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين» أخلاقيات أمير المؤمنين17 - 27، للعلامة هادي المدرسي.
ويقصد الإمام من هذا القول، أن الإنسان البصير بتحولات الأمور وتقلباتها قد يرى فرصة مواتية له بإمكانه استغلالها وتبرير ذلك، ولكن لمخالفتها لأمر الله ونهيه لا يقدم عليها، أما الذين هم بلا تقوى وخوف من الله، فإنهم ينتهزون هذه الفرص، لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة. «إن التقوى عند الإمام هي المحور، لا السياسة، والصلاة عنده الأهم لا الزعامة، والخشوع عنده الأساس لا الانتصار، وهو إذ يقاتل مناوئيه فلكي يؤمنوا بالله، ويعبدوه، لا لكي يتأمر عليهم، كما كان مناوئوه يفعلون!... وكما قال «التقوى رئيس الأخلاق» فإن تقواه كانت منبع أخلاقه، وما من موقف وقفه في عمره الكريم كله إلا وكان للتقوى فيه أثر واضح» (أخلاقيات أمير المؤمنين17 - 27، للعلامة هادي المدرسي).
صلاح العمل: طلب الآخرة:
لأن الله جعل الحياة الآخرة هي دار الخلود، فإن توحيد الخالق ينعكس في صلاح عمل المرء فيكون عمله للآخرة هو الأساس الأول. فكثيرون هم الذين يتحركون في إطار الدنيا فقط، وقليلون هم الذين جعلوا الآخرة نصب أعينهم، والإمام علي من طليعة أولئك الذين جعلوا «الدنيا مزرعة الآخرة»، وبذا فإن مقاييس الإمام علي في صحة المواقف هي بقدر ما تحقق رضا الله وتكون خير زرع يُجتنى ثمره في الآخرة، وبالتالي فهو كما قال عن المتقين: «فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعمون. وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون» (نهج البلاغة - الخطبة 193.)
والعمل للآخرة يحدد العديد من المواقف، ويصوغها من حيث الوسيلة والكيفية. كما قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا﴾ القصص: 83.
فالذين يبحثون عن الآخرة لا يبحثون عن وجاهات وعلو ورفعة دنيوية، كما أنهم لا يقدمون على ما يؤدي الى أي فساد سواء كان اجتماعياً أم اقتصادياً أم سياسياً أم بيئياً. والإمام علي هو من خيرة الذين أرادوا الآخرة بصلاح أنفسهم وصلاح مجتمعهم. وكان بإمكانه أن يكون الحاكم مباشرة بعد الرسول، وأن يسارع إلى السقيفة كما سارع غيره، ويفرض نفسه ويدافع عن حقه في الخلافة ويحصل عليها بكل ما أوتي من قوة التفويض النبوي له وفقاً لمقررات الغدير، ووفقاً لتوصيات الرسول له بالخلافة، ويبسط الرعب على من يخالفه. فمن كان يستطيع حينئذ أن يقف في وجه الإمام والهاشميين من حوله، والصحابة الكبار يساندونه في موقفه؟. ولكن الإمام ترك كل ذلك طلباً للآخرة ووفاءً لرسول الله. 
وطلب الآخرة يحدد بالتالي طبيعة العلاقة مع الدنيا لأنهما في نظر الإمام: «سبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا تولاها وأبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وماشٍ بينهما، كلما قرب من واحد بعُد عن الآخر، وهما بعد ضرتان» (حلية الأولياء: ج1/ 83.)
ولذا آثر الإمام الحياة الأبدية الأخروية على الدنيا حين يكون هنالك تعارض بينهما، كما قال تعالى: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ آل عمران: 152.
إلا أن إيثار الآخرة لا يعني ألَّا يهتم الإنسان بالحركة والعمل في إطار إصلاح وضعه المعيشي والدنيوي، فالإمام علي قد سنّ معادلة مهمة في التوزان بين الدنيا والآخرة بقوله: «اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً» (وسائل الشيعة 17/76).
إن تحليلات الإمام× لكثير من تحركات ومواقف الآخرين، إنما تستند في نظره إلى أساس مدى ارتباطهم الحقيقي بقضية الآخرة، أو مدى سقوطهم في شهوات الدنيا وملذاتها. ففي معرض كلامه عن الذين جيشوا الجيوش لمحاربته إبَّان حكمه العادل، يعتبر× أن السبب الحقيقي في خروجهم لقتاله هو انغرارهم بالدنيا، فيقول×: «ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها» الخطبة الشقشقية - نهج البلاغة - الخطبة الثالثة.
ونراه يوصي أصحابه ومريديه بقوله: «فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حُثالة القرظ[ قشور ورق نبات يعرف بالسلم]، وقُراضة الجَلم[ مقراض يجر به الصوف ونحوه]، واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فإنها رفضت من كان أشغف بها منكم» توضيح نهج البلاغة 1/ 183
ويقول في توجيه حكيم له يخاطب به الناس: «كونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن كل ولد سيُلحق بأمه يوم القيامة».
لقد وعى× أن شأن الدنيا قصير وأن أمرها لا يستحق الطمع والافتتان بها، وأدرك معادلات الارتباط بالدنيا وعواقب ذلك. يقول في كلماته الحكيمة: لا يترك الناس شيئاً من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضر منه» نهج البلاغة - الحكمة 385.
« من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث خصال: همٍّ لا يفنى، وأملٍ لا يُدرك، ورجاءٍ لا يُنال» منتخب ميزان الحكمة 188 للشيخ الريشهري.
هذا الفهم المتعمق للدنيا جعل الإمام يبحث دوماً عمَّا يقربه إلى الله ولو كان في ذلك مرارات الدنيا وصعوباتها. ونضرب لذلك مثالاً واحداً من عشرات الأمثلة، وهو حين آثر وعائلته الشريفة بإفطارهم -بعد أن صاموا ولم يكن في البيت سواه- مسكيناً في اليوم الأول، ويتيماً في اليوم الثاني، وأسيراً في اليوم الثالث، فنزل بحقه وبحق أهله، قول الله جل وعلا، بما يشير بوضوح أن خوفهم من الآخرة هو محور أساس في حياة الإمام علي وأهله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا* إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا* فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا* وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًاً﴾ الإنسان: 8- 12.
الصلاح العام: العدالة
تُعد العدالة محور الصلاح العام، فوجودها في شخص ما كفيل باتزان حركته واتجاهها نحو الحق، ولذا عد الفقهاء العدالة مسألة محورية في قياس صلاح الناس، وإن كان المفهوم الشرعي للعدالة مفهوماً ذا معنى خاص، وهو تقيد المرء أساساً بأوامر الله ونواهيه. ولقد كانت قيمة العدالة شاخصة في حياة وسلوك الإمام علي، والعديد من مواقفه تستند إلى هذا المبدأ الهام. 
وقراءة في جملة من كلمات الإمام علي بشأن العدالة تبرز لنا مدى أهميتها عنده، يقول×: «العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق ونصبه لإقامة الحق» (ميزان الحكمة: 6 /78.) «عدل السلطان حياة الرعية وصلاح البرية»[ غرر الحكم ودرر الكلم]. «العدل رأس الإيمان وجماع الإحسان».
ولأهمية العدل عند الإمام علي× فإن أول خطبة ألقاها بعد مبايعة الناس له، أعلن التزامه بالعدل، وأنه سيعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي مهما ثقل ذلك على الآخرين. قال فيها:
«إلا وإن كل ما أقطعه عثمان من مال الله مردود إلى بيت مال المسلمين، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، والله لو وجدته تفرق في البلدان وتُزوج به النساء وملك به الإماء لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق»[ أخلاقيات أمير المؤمنين 313].
إن الإمام كان يرى أن إقامة العدل هو في الوقت ذاته مواجهة للظلم. فلا يمكن إقامة العدل إلا بمحاربة الظلم. ومحاربة الظلم هي القضية الكبرى عند الإمام علي×. فلقد «خاض الإمام معركته الأساسية ضد الظلم، ومن أجل العدل، ولقد كان تنفّره من الظلم بمقدار حبه للعدل، وكانت حروبه مع الجائرين بقوة نصرته للمظلومين، وهو يرى أن: «من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده».
«وايم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه، ولآخذن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق، وإن كان كارهاً»[ أخلاقيات أمير المؤمنين316- 317].
ماهية الظلم عند الإمام علي تبلغ من الوعي والفهم بعواقب الظلم مبلغاً كبيراً. فلقد استوعب معنى وأثر الظلم في الدنيا والآخرة، وقباحته على النفس، وفي حساب الآخرة. فليس غريباً أن نجده يحلف بالله أنه يفضل المبيت على الشوك الغليظ، أو أن يجر في الأصفاد والأغلال من ملاقاة الله ظالماً لبعض العباد. وهذه عبارته الرائقة الرائعة التي تبين شدة كراهيته للظلم ونفوره الشديد منه، قال×:
« والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً[ الحسك: الشوك، السعدان: نبت ترعاه الإبل له شوك شديد، مسهداً: مسهراً بسبب ألم الشوك] توضيح نهج البلاغة 3 / 400 للإمام الشيرازي، أو أجر في الأغلال مصفداً، أحب إليَّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلمُ أحداً لنفسٍ[ يقصد نفسه الشريفة] يُسرع الى البِلى قُفُولها[ البلى: الفناء، قفولها: رجوعها]، ويطول في الثرى حُلُولها».
كما أن من شدة اهتمام الإمام علي بالعدل والمساواة ودقته المتناهية، أنه كان يطلب من ولاته توزيع نظراتهم بالسواسية على الرعية، يقول الإمام في عهده إلى واليه محمد ابن أبي بكر: «وآس بينهم في اللحظة والنظرة» توضيح نهج البلاغة 4/22.
وكان ينظر أن العدل لا يختص بالجوانب المعنوية، بل أيضاً يشمل المساواة في توزيع الثروة، وفي إقامة القانون. وهذه النظرة الشمولية الواعية نراها في الكثير من مواقفه. ذات مرة قال لعمر بن الخطاب: «ثلاثٌ إن حفظتهنَّ، وعملت بهنَّ كفتك ما سواهن، وإن تركتهن لم ينفعك شيء سواهّن» 
قال عمر: «ما هنَّ يا أبا الحسن؟».
قال الإمام: « إقامة الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود» أخلاقيات أمير المؤمنين 338.
كما أنه حين طُلب منه أن يقسم مال المسلمين بالطريقة التي تضمن احتواء الوجهاء، عبر تقديم زيادة خاصة لهم، رفض بشكل قاطع هذا الأمر، وقال:
«اعدلوا فيه بين المسلمين جميعاً، ولا تفضلوا أحداً على أحد لقرابة أو لسابقة... لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله؟، هذا المال ليس لي وليس لكم، ولكنه مال الله يقسم بين الناس بالسويّة، فلا فضل لأحد على أحد» أخلاقيات أمير المؤمنين342- 350.
هذا الحرص على تطبيق العدل والمساواة بدقة وإدراك وشمولية، وكذا الابتعاد عن أي ظلم جعلت من الإمام علي ذلك العصامي الذي قل نظيره في مضمار العدالة الإنسانية على المستوى العالمي والتاريخي. ولهذا ليس غريباً أن كتب الأديب اللبناني المسيحي جورج جرداق موسوعته الرائعة في مضمونها وصياغتها التعبيرية بعنوان «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية» والمكونة من أربعة مجلدات، والتي كشف فيها عظمة الإمام علي في مضمار العدالة في مختلف تفرعاتها ودقائقها. 
الأخلاق صلاح النفس والعلاقات: 
الأخلاق ثمرة لنبتة الإيمان، وهي المحك الأكبر والامتحان الأهم في حياة الإنسان، وفي حياة المؤمن بالأخص. فالأخلاق إنما تأتي نتيجة معاناة في كبح جماح النفس، وترويضها على القيم النبيلة وتعويدها على السلوك الحسن. وفاقد الأخلاق فاقد للإيمان بصورة طبيعية. فمن يخادع الآخرين، ويكذب عليهم، ويغشهم، ويتآمر عليهم، ويترفع على الناس، ويقابلهم بالعبوس، ويندفع نحو الغضب بلا مبرر، ويشتم الآخرين هو فاقد للأخلاق، عديم الإيمان. 
فالرسول الأعظم نال شرف المدح الإلهي في عظمة أخلاقه، وهو أول المؤمنين وأعلاهم في درجة الإيمان. قال تعالى له: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم: 4.
وما كانت بعثة الأنبياء إلا لإيصال المرء إلى أعلى درجات الأخلاق. حتى أن الرسول | لخّص الإسلام بأنه حُسن الخُلق، بقوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» منتخب ميزان الحكمة 170 للشيخ الريشهري. «الإسلام حُسنُ الخُلق».
فمكارم الأخلاق من حيث الشمولية والأهمية أن كافة القيم الحقة تندرج تحت إطارها. وقد بلغ الإمام علي الدرجة العالية في سلم الأخلاق لأنه ربيب رسول الله، وقد زرّقه من قيم الأخلاق ما رفعه إلى تلك الدرجة. يقول الإمام علي عن استفادته من صحبة رسول الله منذ بواكير عمره:
«ولقد كنت أتبعه اتِّباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به» نهج البلاغة - الخطبة (192).
بل إننا نستطيع القول إن كافة مواقف وسلوكيات الإمام علي في شتى القضايا والمجالات هي أخلاقيات عالية. وقد وفق المفكر الإسلامي السيد هادي المدرسي في عنونة كتابه عن الإمام علي بـ«أخلاقيات أمير المؤمنين×»، حيث أبرز في كتابه شخصية ومواقف وسلوكيات الإمام كمؤمن وكمعارض وكحاكم، وإن كل ذلك يجتمع بأن حياته وسيرته ومواقفه هي أخلاقيات، وفي هذا يقول: «إن حدود الشخصية العظيمة ترسمها الأخلاق. فسمو الذات إنما هو بسمو المعنى، وعلو المكانة هي في تلك الأصول الأخلاقية التي يلتزم بها الرجال، وهي المقياس في تقييم أعمالهم وأفعالهم» أخلاقيات أمير المؤمنين 33.
لقد استوعب الإمام علي بنظره الثاقب وفكره الوضاء ضرورة الأخلاق الحسنة ومقدار تأثيرها وأهميتها في تحقيق النجاحات. فهو× القائل: «لو كنا لا نرجو جنة، ولا نخشى ناراً، ولا ثواباً ولا عقاباً، لكان ينبغي أن نطلب مكارم الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاح».
إن هذه العبارة تدل بوضوح أن أخلاق الإمام علي إنما تنطلق من إنسانيته وطبيعته الذاتية السامية، ومن وعيه وعقله الناصع. فالأخلاق في نظره مطلوبة لحسنها ونتائجها الإيجابية، فكيف إذا كان التأكيد عليها من لدن الله العلي الحكيم. 
وأخلاق الإمام علي السامية من الشمولية بمقدار يصعب حصرها وتدوينها، وإنما نكتفي بإشارات سريعة. فقد عُرف بقضائه لحوائج الناس، وبصدقاته وإحسانه لهم، وبحلمه وعفوه عن مناوئيه، وبترفعه عن الدنايا، وبكرمه الواسع، وببشاشته وبتواضعه إلى غير ذلك من صفات الخير والمكارم. وهنا نأتي بمثال واحد يبرز سموه الأخلاقي بما قاله الله في قرآنه المجيد مخلداً أعظم ملحمة أخلاقية عرفها التاريخ البشري؛ وذلك حين تصدق الإمام علي وأهله بإفطارهم الذي لم يكونوا يملكون غيره لمدة ثلاث ليالٍ، باتوا فيها يتضورون جوعاً إكراماً لمسكينٍ ثم يتيمٍ ثم أسيرٍ كانوا على التوالي يطرقون بابهم، فيتصدقون بذلك الإفطار إيثاراً منهم، على الرغم من الخصاصة والحاجة الشديدة لهم. وأجزم يقينا أن لا أحد من البشر يتمكن من فعل ذلك إلا إن كان من أمثالهم من المعصومين. قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا﴾ الإنسان: 8-9.
لقد اعتبر الإمام علي× اكتساب الأخلاق رياضة نفسية شاقة ولكنها مطلوبة وضرورية. فهناك معادلة في صقل الأخلاق لدى الإنسان المتقي يعبّر عنها الإمام بقوله: «نفسه منه في عناء والناس منه في راحة» نهج البلاغة - الخطبة 192.
فمن يريد أن يريح الناس ويكسبهم، فلا بد أن يضغط على نفسه حتى تكون هي التي تعاني. فحين يحلم عن غيره، فالناس في راحة من موقفه هذا، ولكن نفسه هي التي تعاني وتجابه ضغوطات كظم الغيط. وقد كانت الرياضة الروحية عملية دائمية في حياة الإمام علي يمارسها بلا توقف. وهذه الرياضة ليست عبثاً أو لمجرد التسامي الروحي، بل ليطمئن يوم القيامة في قيامه بالواجب الذي عليه. كما أن هذه الرياضة مواساة منه للجوعى المحتملين هنا أو هناك. هذا ما نراه في قوله×:
«إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر، وتتثبت على جوانب المزلق[ أروضها بالتقوى: أذللها بالاجتناب عن الملذات والمشتهيات. المزلق: موضع الزلة في الصراط يوم القيامة.] توضيح نهج البلاغة، ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع» نهج البلاغة ج4 من رسالته إلى واليه عثمان بن حنيف.
إن تلك الأخلاق العالية التي تمتع بها الإمام هي التي أسرَت قلوب المفكرين والباحثين من مختلف الأديان والتوجهات. ولعل الكتب والدراسات القيمة التي بحثت عن الإمام علي قد صدرت من غير المسلمين أكثر من المسلمين والموالين له. قال عنه الكاتب المسيحي سليمان كتاني: «قلة أولئك الرجال الذين هم على نسج علي بن أبي طالب، تنهد بهم الحياة موزعين على مفارق الأجيال كالمصابيح... رجل تزاحمت فيه وفرة كريمة من المواهب والمزايا، لا يمكن أن يستوعبها إنسان دون أن تقذف به إلى مصاف العباقرة»الإمام علي نبراس وقداس 51. 
وقال جورج جرداق: «الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء، نسخة مفردة لم يرَ لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديماً ولا حديثاً» نقلاً عن علي بن أبي طالب سلطة الحق - 272 عزيز السيد جاسم.
صلاح الفكر: اليقين
يُعد اليقين في أية قضية هو المرفأ الذي يستقر على راحته الفكر بعد جولات الشك والتمعن العقلي. فمن أوتي اليقين فقد وصل إلى بر الأمان. وهذه الصفة من القيم العالية التي تتشرب في حياة الأنبياء والصالحين. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ الأنعام: 75. ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ السجدة: 24.
وقد كان اليقين يملأ قلب الإمام علي بالصورة التي كان يقول فيها عن نفسه: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً» غرر الحكم ودرر الكلم - حرف اللام.
ولعل المصدر الأساسي لهذا اليقين الكبير في نفس الإمام هو بسبب العلم الواسع الذي كان لديه بما حباه الله من معارف واسعة تضمنتها نفسه الشريفة، فقد كان مستودع علم الله، وكان بوابة مدينة العلم النبوية. فقد قال الرسول×: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» مستدرك الصحيحين للحاكم ج3: 126 - كنز العمال ج2/152.
وقال عن علمه الخاص الذي أسر به رسول الله إليه: بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة»[ اندمجت: انطويت. الأرشية: جمع رشاء بمعنى الحبل. الطوي: جمع طوية وهي البئر] (توضيح نهج البلاغة. ج1 الخطبة 5).
واليقين هو الدافع للكثير من الأعمال الصالحة والمواقف البطولية الشجاعة التي عُرف بها الإمام علي. ذلك لأن المتيقن لديه علم تام مؤكد بمردود عمله؛ فتراه يندفع بهمة عالية وثبات واضح في مواقفه من دون أدنى تردد. وكان اليقين في فكر وعلم الإمام علي بما كشف لنا التاريخ من كلماته الرائعة في هذا المجال، قال×: « باليقين تدرك الغاية القصوى» نهج البلاغة - الخطب: 157.«اليقين رأس الدين، اليقين عماد الإيمان» غرر الحكم ودرر الكلم - حرف الياء. «الصبر أول لوازم الإيقان، سبب الإخلاص من اليقين».
«ولقد كان أمير المؤمنين على اليقين من أمره، والثقة بدينه، والاعتزاز بالله. وهذه الصفات هي وراء عظمة شخصيته، حيث إنه لم يشك ولا للحظة واحدة في أنه على حق، وأن مناوئيه على باطل» أخلاقيات أمير المؤمنين 59.
لقد قال الإمام ذات مرة مخاطباً أصحابه:
«ما شككت في الحق منذ رأيته، لم يوجس موسى× خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال. اليوم توافقنا على سبيل الحق والباطل... من وثق بماء لم يظمأ» أخلاقيات أمير المؤمنين62.
إن هذا النص يكشف لنا بصورة واضحة أن الإمام كان الحق واضحاً لديه، وبالتالي فهو ليس بحاجة إلى أدنى شك فيه. ثم يضرب لنا مثالاً أن خيفة النبي موسى لم تكن على نفسه، ولتردد قد ساوره، بل خوفاً من تغلب الجهال والدول الضالة. ثم يوضح بشكل وجداني أن شارب الماء لا يظمأ لأنه قد تناول ماءً حقيقياً.
العلم: صلاح العقل والعمل
المبدأ الختامي الأساسي الذي نراه يتجلى بإشعاع ملفت في حياة ومواقف الإمام علي هو أن انطلاقته وتحركاته كانت دوماً قائمة على العلم والمعرفة التامة. فالعلم يزود العقل بالمعلومات السليمة التي ما إن توفرت بشكلها التام الكامل أورثت القدرة على اتخاذ الموقف الصحيح. ولأن العلم لدى الإمام علي لم يكن علماً ناقصاً كما لدينا، بل كانت لديه إحاطة تامة بصحة مواقفه المبنية على الهدى القرآني، وبما ألهمه الله من نور كتابه المبين، فقد استطاع أن يكشف بذلك النور كل ما حواليه. ألم يصف الله كتابه بأنه نور؟!. فمن أبصر النور في كل كلمة وحرف من كتاب الله فإن باستطاعته أن يُضيء بذلك النور ظلمات كل موقف، ويفهم به خفايا كل حركة اجتماعية كانت أو سياسية أو غيرها. 
لقد استوعب الإمام علي أهمية العلم في حياة الإنسان، وعرف آثاره وعواقبه الحاضرة والمستقبلية، واستطاع بنظراته الثاقبة من تحليل خصوصيات العلم العام والعلوم الخاصة. لقد كان ثريًّا بلا حدود في علمه، وكريماً بلا حدود في عطائه العلمي. ومن يقرأ آثاره في نهج البلاغة، وفي غيره من الكتب التي دونت مواقفه وكلماته وخطبه سيكتشف حتماً أنه أمام بحار من علوم لا حدود لها. وقد استفاضت كلمات الأولين والآخرين في شأنية علمه وتبحره العميق بما دل يقيناً على أن هذه العلوم التي نالها لم يكن لها سبيل لولا العناية الإلهية، والتربية النبوية التي اختص بها الإمام علي بحيث كان باباً لأسمى وأجل مدينة علم، مدينة العلم المحمدي.
قال ابن عباس حبر الأمة: «أُعطي علي تسعة أعشار العلم، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي» ذخائر العقبى للطبري 78- ينابيع المودة للقندوزي 2/170 - أسد الغابة 4/100.بل إن ألد أعدائه معاوية لما بلغه مقتل الإمام علي، قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب الاستيعاب بهامش الاصابة 3/45.
إن محورية العلم في حياة الإمام لم تكن بالشيء الهين، فللعلم موقعه الكبير في حياته وفكره، فقد أشاد بالعلم وبيَّن فضله في عشرات الكلمات، نختار منها: 
«العلم أشرف هداية... العلم أصل كل خير... العلم زين الأغنياء وغنى الفقراء.. العلم مصباح العقل وينبوع الفضل» غرر الحكم ودرر الكلم - للآمدي - حرف العين.
إن نظرة متعمقة على هذه الكلمات الحكيمة من أقواله تكشف لنا التالي:
1- إن الهداية في الحياة هي من مصادر متعددة، وموقع العلم أنه يمنح صاحبه هداية ذات شرف وعلو منزلة، وهذا ما نلاحظه من شرف ومكانة العلماء.
2- إن العلم مصدر الخيرات جميعاً، ولا غرو في ذلك فإن أول أمر تربوي بدأ فيه الله العلي العليم مع آدم هو تعليمه الأسماء، كما أن العلم هو أول النعم التي منّ الله بها علينا. قال تعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ الرحمن: 1-2.
3- إن العلم يكسب الأغنياء الزين الذي يكملهم، ولكنه يمنح الفقراء غنى معنوياً، ولعله مادياً أيضاً في حال التوظيف العملي للعلم.
4- إن العلم يضيء للعقل فيكشف الغموض والشبهات كما يستخدم المصباح للإنارة.
5- إن العلم هو ينبوع لا ينضب للفضائل والأعمال الحسنة.
ولكن الإمام علي لم يكن ذاك العالم المنطوي على علمه، والمشغوف به حتى يصبح العلم هو السمة الوحيدة له، فيعتزل الناس، ويتفرغ لمطالب العلم كما كان شأن العديد من علماء المسلمين، بل العكس كان علمه على سعة بحوره هو إحدى سمات شخصيته وأساسياتها. لقد اهتم الإمام بتطبيق العلم كاهتمامه بطلب العلم والبحث فيه ومنحه للآخرين. ولذا نجد أن حياة الإمام علي ومواقفه وسلوكياته هي الأخرى تدلنا على سعة علمه. ولأهمية ارتباط العلم بالعمل، قال×:
«العلم بالعمل.. العلم بغير عمل وبالٌ.. علم بلا عمل كشجر بلا ثمر.. العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه.. على العالم أن يعمل بما علِم ثم يطلب تعلُّم ما لم يعلم» غرر الحكم ودرر الكلم - للآمدي - حرف العين.
فتكديس العلوم وتجميعها ليس فضيلة بحد ذاته، ففي نظر الإمام علي يكون ذلك مثل الشجرة التي لا ثمر فيها، وأكثر ما يمكن أن يبرز منها هو شكلها الخارجي فقط. كما أن الإمام يقرر حقيقتين هامتين هما، أن عدم العمل بالعلم يؤدي إلى ضياع العلم، كما أن المطلوب من العالم أن يعمل بعلمه ثم يطلب المزيد من العلوم، لا أن يكون مستودعاً للعلوم من دون أن يفكر ويعمل على تطبيقها.
الإمام عليّ× الحبّ الخالد: لعلّنا لا نستطيع أن نجد من بين الوجوه المعروفة في العالم وعلى الأخصّ بين الشخصيّات الإسلاميّة شخصيّة محبوبة لدى الشعوب وأتباع الأديان المختلفة وعلى مرّ العصور كشخصيّة أمير المؤمنين× ولا حتّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه؛ فحينما تنظرون تجدون حتّى وفي ذلك الزمان الّذي أوجد سيف عدالته الصارم في القلوب المتمرّدة والأرواح الأنانيّة البغض له، وأدّى إلى تأليب جبهة واسعة من الخصوم ضدّه، تجدون خصومه حينما كانوا يراجعون أعماق نفوسهم يشعرون إزاء شخصيّته بعقيدة مقرونة بالإجلال والتكريم والمحبّة؛ واستمرّت هذه الحالة حتّى في العصور اللاحقة.
كان عليّ× أكثر الناس أعداءً، إلّا أنّه كان في الوقت نفسه أكثر من حاز على الثناء حتّى ممّن لا يؤمنون بدينه ومنهجه.
كان آل الزبير في القرن الأوّل الهجريّ معروفين على الغالب بإظهار البغض والعداء لبني هاشم ولآل عليّ× على وجه الخصوص. وكان مصدر هذا العداء-في الغالب-هو عبد الله بن الزبير.
سأل أحد أحفاد الزبير أباه: ما لعليّ وآله يلهج الناس بأسمائهم ويعلو ذكرهم كلّ يوم؛ فيما لا يلقى أعداؤهم غير الأفول والزوال السريع مع كلّ ما يحيطون به أنفسهم من دعايات؟ فقال له ما يقارب هذا المضمون: إنّهم دَعوا إلى الله وإلى الحقّ، فلم يستطع أحد إخفاء فضلهم، لكنّ أعداءهم دعوا إلى الباطل.

ارسال الأسئلة