ارسال السریع للأسئلة
تحدیث: ١٤٤٥/٨/١٥ من نحن منشورات مقالات الصور صوتيات فيديو أسئلة أخبار التواصل معنا
العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
تصنیف المقالات احدث المقالات المقالات العشوائية المقالات الاکثرُ مشاهدة
■ السید عادل العلوي (٤٨)
■ منير الخباز (١)
■ السید احمد البهشتي (٢)
■ حسن الخباز (١)
■ كلمتنا (٢٨)
■ الحاج حسين الشاكري (١١)
■ الاستاذ جعفر البياتي (٤)
■ صالح السلطاني (١)
■ الشيخ محمد رضا آل صادق (١)
■ لبيب بيضون (٧)
■ الدكتور الشيخ عبد الرسول غفّاري (١)
■ السيد حسين الحسني (١)
■ مكي البغدادي (٢)
■ الدكتور حميد النجدي (٣)
■ السيد رامي اليوزبكي (١)
■ سعيد إبراهيم النجفي (١)
■ الدکتور طارق الحسیني (٢)
■ السيّد جعفر الحلّي (١)
■ الاُستاذ ناصر الباقري (١)
■ السيّد محمّد علي الحلو (١)
■ السيّد شهاب الدين الحسيني (١)
■ شريف إبراهيم (١)
■ غدير الأسدي (١)
■ هادي نبوي (١)
■ لطفي عبد الصمد (١)
■ بنت الإمام كاشف الغطاء (١)
■ محمد محسن العید (٢)
■ عبدالله مصطفی دیم (١)
■ المرحوم السید عامر العلوي (٢)
■ میرنو بوبکر بارو (١)
■ الشیخ ریاض الاسدي (٢)
■ السید علي الهاشمي (١)
■ السيّد سمير المسكي (١)
■ الاُستاذ غازي نايف الأسعد (١)
■ السيّد فخر الدين الحيدري (١)
■ الشيخ عبد الله الأسعد (٢)
■ علي خزاعي (١)
■ محمّد مهدي الشامي (١)
■ محمّد محسن العيد (٢)
■ الشيخ خضر الأسدي (٢)
■ أبو فراس الحمداني (١)
■ فرزدق (١)
■ هيئة التحرير (٤٣)
■ دعبل الخزاعي (١)
■ الجواهري (٣)
■ الشيخ إبراهيم الكعبي (١)
■ حامدة جاودان (٣)
■ داخل خضر الرویمي (١)
■ الشيخ إبراهيم الباوي (١)
■ محمدکاظم الشیخ عبدالمحسن الشھابی (١)
■ میثم ھادی (١)
■ سید لیث الحیدري (١)
■ الشیخ حسن الخالدی (٢)
■ الشیخ وھاب الدراجي (١)
■ الحاج عباس الكعبي (٢)
■ ابراھیم جاسم الحسین (١)
■ علي محمد البحّار (١)
■ بلیغ عبدالله محمد البحراني (١)
■ الدكتورحسين علي محفوظ (١٠)
■ حافظ محمد سعيد - نيجيريا (١)
■ الأستاذ العلامة الشيخ علي الکوراني (٤)
■ عزالدین الکاشانی (١)
■ أبو زينب السلطاني - العراق (١)
■ فاطمة خوزي مبارک (١)
■ شیخ جواد آل راضي (١)
■ الشهید الشیخ مرتضی المطهري (١)
■ شيخ ماهر الحجاج - العراق (١)
■ آية الله المرحوم السيد علي بن الحسين العلوي (١٣)
■ رعد الساعدي (١)
■ الشیخ رضا المختاري (١)
■ الشیخ محمد رضا النائیني (٢)
■ الشيخ علي حسن الكعبي (٥)
■ العلامةالسيد محسن الأمين (١)
■ السید علي رضا الموسوي (٢)
■ رحیم أمید (٦)
■ غازي عبد الحسن إبراهيم (١)
■ عبد الرسول محي الدین (١)
■ الشیخ فیصل العلیاوي (١)
■ أبو حوراء الهنداوي (٢)
■ عبد الحمید (١)
■ السيدمصطفیٰ ماجدالحسیني (١)
■ السيد محمد الکاظمي (٣)
■ حسن عجة الکندي (٥)
■ أبو نعمت فخري الباکستاني (١)
■ ابن الوردي (١)
■ محمدبن سلیمان التنکابني (١)
■ عبد المجید (١)
■ الشيخ علي حسین جاسم البھادلي (١)
■ مائدۃ عبدالحمید (٧)
■ كریم بلال ـ الكاظمین (١)
■ عبد الرزاق عبدالواحد (١)
■ أبو بكر الرازي
■ الشيخ غالب الكعبي (٨)
■ ماھر الجراح (٤)
■ الدکتور محمد الجمعة (١)
■ الحاج کمال علوان (٣)
■ السید سعد الذبحاوي (١)
■ فارس علي العامر (٩)
■ رحيم اميد (١)
■ الشيخ محسن القرائتي (١)
■ الشيخ احمد الوائلي (١)
■ الشیخ علي حسن الکعبي (١)
■ عبد الهادي چیوان (٥)
■ الشیخ طالب الخزاعي (٥)
■ عباس توبج (١)
■ السید صباح البهبهاني (١)
■ شیخ محمد عیسی البحراني (١)
■ السید محمد رضا الجلالي (٦)
■ المرحوم سید علي العلوي (١)
■ یاسر الشجاعي (٤)
■ الشیخ علي الشجاعي (١)
■ میمون البراك (١)
■ مفید حمیدیان (٢)
■ مفید حمیدیان
■ السید محمد لاجوردي (١)
■ السید محمد حسن الموسوي (٣)
■ محمد محسن العمید (١)
■ علي یحیی تیمسوقي (١)
■ الدکتور طه السلامي (٣)
■ السید أحمد المددي (٦)
■ رقیة الکعبي (١)
■ عبدالله الشبراوي (١)
■ السید عبد الصاحب الهاشمي (٣)
■ السید فخر الدین الحیدري (١)
■ عبد الاله النعماني (٥)
■ بنت العلي الحیدري (١)
■ السید حمزة ابونمي (١)
■ الشیخ محمد جواد البستاني (٢)
■ نبیهة علي مدن (٢)
■ جبرئیل سیسي (٣)
■ السید محمد علي العلوي (٣)
■ علي الأعظمي البغدادي (١)
■ السید علي الخامنئي (١)
■ حسن بن فرحان المالکي (١)
■ ملا عزیز ابومنتظر (١)
■ السید ب.ج (٢)
■ الشیخ محمد السند
■ الشیخ محمد السند (١)
■ الشیخ حبیب الکاظمي (١)
■ الشیخ حسین عبید القرشي (١)
■ محمد حسین حکمت (١)
■ المأمون العباسي (١)
■ احمد السعیدي (١)
■ سعد هادي السلامي (١)
■ عبد الرحمن صالح العشماوي (١)
■ حسن الشافعي (١)
■ فالح عبد الرضا الموسوي (١)
■ عبد الجلیل المکراني (١)
■ الشريف المرتضی علم الهدی (١)
■ السيد أحمد الحسيني الإشكوري (١)
■ سید حسین الشاهرودي (١)
■ السيد حسن نصر الله (١)
■ ميثم الديري (١)
■ الدكتور علي رمضان الأوسي (٢)
■ حسين عبيد القريشي (١)
■ حسين شرعيات (١)
■ فاضل الفراتي (١)
■ السيد مهدي الغريفي (١)

احدث المقالات

المقالات العشوائية

المقالات الاکثرُ مشاهدة

المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين وأخلاقه « القسم الثاني » - مجلة الكوثر العدد العاشر - محرم 1420

المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين وأخلاقه

« القسم الثاني »
 
بقلم المرحوم السید عامر العلوي
اشراف: السید عادل العلوي
 
الأخلاق في الإسلام
 
يبتني الإسلام وثقافته الدينية ـبعد المعرفة والتوحيد ولوازمه ـ على اُسس وأقسام ثلاثة  :
1 ـ الأحكام .
2 ـ العبادات .
3 ـ الأخلاقيات .
ولا يخفى أنّ القسم الأوّل والثاني يبحث في الفقه الإسلامي وفلسفته ، والمقصود هو القسم الثالث .
وقد حاز الأخلاق في الإسلام مرتبة عظيمة ومنزلة رفيعة ، ومقامآ شامخآ واهتمامآ بليغآ، حتّى قال الصادع بالرسالة النبيّ الأعظم محمّد  9: «إنّما بعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق »، وكان عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى والاُسوة العليا
في الأخلاق والمكارم ، حتّى وصفه ربّه في قوله تعالى  :(وَإنَّکَ لَعَلى خُـلُقٍ عَـظِيمٍ ) .
وكان خلقه القرآن الكريم .
وقد ورد في عظمة الأخلاق من نبيّ الإسلام وأئمّته بالحقّ ، نصوص كثيرة وأحاديث شريفة ، قد خُصّص لها قسم كبير من كتب الأخبار والأحاديث والفقه الإسلامي وكتب الأخلاق والعرفان والسير والسلوک .
وقد تكلّم علماء المسلمين واُدبائهم في الأخلاق كثيرآ، فمنهم من يقول  :
وإنّما الاُمم الأخلاق ما بقيت         فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال آخر :
إنّ المكارم أخلاقٌ مطهّرةٌ         فالعلم أوّلها والحلم ثانيها
وقال آخر :
مكارم الأخلاق في ثلاثة منحصرة         لين الكلام والسخاء والعفو عند المقدرة
وغير ذلک من الأشعار والأبيات التي هي من الحكمة ، وترجمت لنا الآيات والروايات في سلک النظم والنثر باُسلوب بديع ورائع .
قال رسول الله  9 :«مكارم الدنيا والآخرة في ثلاث : أن تعفو عمّن ظلمک ، وتعطي من حرمک ، وتصل من قطعک ».
ولا يخفى أنّ الظلم على نحوين : تارة ظلم شخصي ، واُخرى ظلم اجتماعي.
فمن الأوّل : أن تعفو عمّن ظلمک لا سيّما عند المقدرة ، فإنّ العفو عند المقدرة من مكارم الأخلاق وفيها لذّة روحيّة لا توصف ، وأمّا الظالم في نطاق الظلم الاجتماعي فإنّه يحارب ويكافح لإزالة الظلم عن المجتمع وحكومة العدالة الاجتماعية والقسط الإسلامي ، ومن هذا المنطلق يقول أمير المؤمنين عليّ  7 في آخر وصاياه لولديه سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين  8 :«كونا للظالم خصمآ وللمظلوم عونآ».
فلا بدّ من مخاصمة الظالم حينئذٍ وقطع جذور الظلم من المجتمع الإسلامي ، فتدبّر.

 الهجرة للعلم والإيمان
 
قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرآ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ عَلَى اللهِ) .
اعلم أنّ الهجرة شرّعت وطبّقت في الإسلام على المسلمين الأوائل مرّتين:
الاُولى : الهجرة إلى الحبشة بقيادة جعفر الطيّار بن أبي طالب  2 في مجموعة من المؤمنين والمؤمنات هاجروا بإذن من رسول الله من مكّة المكرّمة إلى أرض الحبشة (السودان ) ليأمنوا أذى المشركين من قريش .
الثانية : الهجرة النبويّة الشريفة من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة بإذن وأمر من الله سبحانه هاجر النبيّ الأعظم محمّد  9 ثمّ ابن عمّه وخليفته الإمام عليّ بن أبي طالب مع الفواطم .
وكان الغرض من الهجرة الاُولى : حفظ الإيمان ، وفي الثانية : حفظ الإيمان والتكامل فيه ، فإنّها كانت هجرة مقدّسة إلى مدينة النبيّ  9 مهبط الوحي وعاصمة الإسلام آنذاک .
ومن هنا نقف على حقيقة الهجرة والمقصود منها في الإسلام ، بأنّ المطلوب هو حفظ الإيمان والتكامل فيه ، وأي عمل يقصد به التوصّل إلى حفظ الإيمان وكماله فهو عمل مطلوب شرعآ ومحبّذ في المفهوم الإسلامي ومحبوب عند الله ورسوله ومندوب إليه في الشريعة الإسلامية السمحاء.
ولمّا كان العلم في الإسلام عظيمآ، وإنّه ممّا يتوسّل به إلى فهم الإسلام ودركه وحفظه والتكامل فيه وتطوّره والكمال في الإيمان به ، بل من الثابت أنّ العلوم الإسلامية هي السبيل الوحيد لاستمرار مفاهيم هذه الرسالة السماوية السمحاء بين البشريّة ، لذلک كان العلم في الإسلام فريضة على كلّ مسلم ومسلمة ، وإنّ طلبه والهجرة إليه للتحصيل عليه إنّما هي في الحقيقة هجرة إلى الله ورسوله ودينه  :(فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَـتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ) .
وكان الموت حينئذٍ في سبيل تحصيله يعدّ من الشهادة والسعادة ، وقد وقع
أجره وثوابه على الله سبحانه .
ولذلک ورد في كثير من الروايات الشريفة  :«من مات في طلب العلم مات شهيدآ».
 الغاية من طلب العلم  :
قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ) .
لا يخفى أنّ الإسلام العظيم بمصدره التشريعي والثقافي أي القرآن الكريم والسنّة الشريفة المتمثّلة بقول المعصوم وفعله وتقريره ، لقد اهتمّ غاية الاهتمام بطلب العلم النافع والعمل الصالح ، وأنّ السعادة في الدنيا والآخرة إنّما هي في ظلال العلم ، فما أكثر الآيات الكريمة والروايات الشريفة التي تنصّ على ذلک ، وأنّ قيمة كلّ امرئ ما يحسنه ، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، بل يرفع الله الذين اُوتوا العلم درجات حتّى كانوا في مقام الشهادة بالوحدانيّة الإلهيّة في صفّ الله سبحانه في قوله  :(شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَاُوْلُوا العِلْمِ ) .
إلّا أنّه هنا سؤال يطرح نفسه أنّه ما الغاية من العلم وطلبه في الإسلام .
الجواب : إنّ الغاية أن يكون العلم لله وفي الله عزّ وجلّ ، فمن تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله دعي في ملكوت السماوات عظيمآ، وأنّه يصلّي عليه كلّ شيء ويستغفر له كلّ شيء حتّى الحيتان في البحر، وأنّ الملائكة تضع أجنحتها تحت قدميه رضي به .
وهناک نصوص كثيرة تنكر على من يطلب العلم لغير وجه الله سبحانه ، يطلبه للدنيا وما فيها، ليجادل به العلماء أو يماري به السفهاء ويطلب به حطام الدنيا ويترأّس على الناس وينال من أموال الأغنياء أو عطايا الملوک والسلاطين والدولة والحكومة ، أو غير ذلک من الأغراض الدنيويّة .
وقد ورد في الحديث الشريف  :«من طلب العلم ليجادل به العلماء أو يماري به السفهاء... أكبّه الله على منخريه في نار جهنّم ».
فأمثال هذه الرواية الشريفة تشدّد النكير على من لا يطلب العلم لله وفي الله، خالصآ لوجهه ، بل يطلبه للجدال والمراء والتظاهر والتطاول على الآخرين وإظهار فضله على الناس ـوالعياذ بالله‌ـ.
فلا بدّ أن يكون طلب العلم بدايته ونهايته لله عزّ وجلّ  :(قُلْ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ ) .
(الَّذِينَ قَالُوا رَبُّـنَا اللهُ ثُمَّ آسْتَقَامُوا) .
وورد في الحديث الشريف  :
«أوّل العلم معرفة الجبّار، وآخر العلم تفويض الأمر إليه ».
فأوّله هو الله، وآخره هو الله، فالعلم سير وقوس نزولي وصعودي منه وإليه عزّ وجلّ .
فالحديث النبوي الشريف يؤكّد على اُمّته أن يكون افتتاحهم بطلب العلم في سبيل معرفة الخالق العظيم وأن يعرفه من نفسه ، فمن عرف نفسه فقد عرف ربّه ، كما يعرفه بالآيات الآفاقيّة والأنفسيّة ، وأن يكون الغاية بعد ذلک أن يحصل لهم من أثر معرفة الله سبحانه أن يفوّضوا أمرهم إليه ويتوكّلوا عليه ، وعلى الله فليتوكّل المؤمنون في طلب العلم وغايته وفي العمل الصالح .
 المداومة في تحصيل العلم  :
قال أمير المؤمنين  7 :«من تساوى يوماه فهو مغبون ».
هكذا يقرّر لنا إمامنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب  7، التأكيد على السعي الدائب والعمل المتواصل في سبيل تحسين أوضاعنا وأعمالنا وأحوالنا يومآ بعد يوم ، وأن نكون في تطوّر وازدهار في كلّ حقول الحياة على الصعيدين الفردي والاجتماعي ، فنحاول دائمآ التغيير نحو الأفضل والأتمّ والأحسن في سلوكنا ومعاشنا ومعادنا، ونفوز بسعادة الدارين ، وحسنة الدنيا وحسنة الآخرة:
(رَبَّـنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ) .
فنحاول أن لا ندع أيّامنا تتساوى من حيث أحوالنا الخاصّة والعامّة .
وهذا يهمّ طالب العلوم الدينية في حوزاتنا العلمية بنحو خاصّ ، فإنّه ينبغي بل يلزم أن يسعى الطالب للسير المتواصل والدؤوب في سبيل تحصيل العلوم من المهد إلى اللحد، أي إلى آخر لحظة من حياته ، ولو بخوض اللجج وسفک المهج ، وإن كان العلم في الصين ، فلا بدّ من السعي وبذل الجهود في زيادة العلم النافع والعمل الصالح والمعارف الإسلامية ، كما يسعى في نشر العلوم والفنون الإسلامية ، وما تعلّمه من المعارف الإلهيّة والتعاليم السماوية بين أفراد الاُمّة ، وأن يسعى لئلّا يخرج قيد شعرة عن الخطّ المرسوم له من قبل الشارع المقدّس ، ولا يحيد عن الغاية المعيّنة له ولا لحظة ، فإذا حاول وفعل كلّ هذا وأتعب نفسه في شبابه فإنّه سيستريح في شيبته كما يثيبه الله في دنياه وآخرته ، وسوف يسير في طريق الهدى إلى الأمام ويتزوّد كلّ يوم أحسن ما كان يتزوّده بالأمس ، لأنّه يدري أنّ من تساوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان أمسه خير من يومه فهو ملعون وبعيد عن الرحمة الإلهيّة ، والفائز والناجح من كان يومه خير من أمسه .
 
الحلم
 
قال الإمام الباقر  7 :«ما شيب شيء بشيء أفضل من علم بحلم ».
نفهم من هذا الحديث الشريف الوارد عن إمامنا الباقر محمّد بن عليّ  8 أنّ العلم في الإسلام ينبغي له أن يمتزج بالحلم ، وهذا يعني أنّ العالم من شيعة أهل البيت  : ينبغي له أن يتخلّق بهذا الخلق العظيم ، أن يكون حليمآ صبورآ، حتّى من شتمه يستغفر له قائلا: إن كنت الذي قلته يوجد فيّ، فأستغفر الله لي ، وإن لم يوجد فيّ فأستغفر الله لک ، وإذا قال له أحد: إن قلت واحدة تسمع منّي عشرآ، فمن الحلم أن تقول له : ولكن لو قلت لي عشرة فلا تسمع منّي واحدة .
ومن كان هكذا حلمه مع ما يعلم من العلوم والمعارف الشرعيّة ، فإنّه يبلغ الغاية من السعادة ، ويستطيع أن يبلغ بعلمه وحلمه إلى الغاية المنشودة ، من البلاغ والإبلاغ ليستضيء الناس به ، أمّا لو كان عالمآ غير حليم فإنّه لا يستطيع أن يبلغ بعلمه إلى الغاية المطلوبة والمقصودة منه ، ولم يتمكّن من إبلاغ الشريعة السمحة إلى المتشرّعين والمكلّفين ، فكان في علمه هذا من غير أثر، ويكون كالشجر بلا ثمر، وليل بلا قمر، فتذهب أيّام حياته هدرآ.
ولمّا كان الحلم هو الجناح الثاني للعالم ليحلّق بعلمه وحلمه إلى آفاق المكارم والفضائل والدرجات العلى ، ولمّا كان الحلم ممّا يبلغ بالعلم إلى الغاية المقصودة منه ، فقد ورد في الآيات والأحاديث الشريفة عن النبيّ الأعظم  9 وعترته الأئمة الأطهار  : كثير من الحثّ والترغيب عليه ، حتّى أنّه ورد عن الإمام الصادق  7 التأكيد عليه ، وأنّه إذا لم يكن حليمآ فليتحلّم ، أي يلقي بنفسه في الحلم حتّى يصل إليه ، وهذا من اُسلوب الأئمة  : في التهذيب والأخلاق ، فمن لم يكن زاهدآ فليتزهّد حتّى يصل إلى الزهد، وهكذا من لم يكن حليمآ فليتحلّم .
قال الإمام الصادق  7 :«كفى بالحلم ناصرآ، وإذا لم تكن حليمآ فتحلّم ».
والتحلّم هو التشبّه بالحلماء والتصبّر عليه في سبيل التمرين لأجل التخلّق به فهو مصدر من باب (التفعُّل ) للمطاوعة لاتّخاذ مصدر الشيء بادّعاءٍ إن لم يكن فيه ، فالمؤمن حقّآ أميره العلم ووزيره الحلم .
 
الإخلاص
 
قال سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ  7 :«أخلِص تَنَل ».
وفي الحديث الشريف  :«من أخلص لله أربعين يومآ فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه ».
من جملة الفضائل والمكارم والصفات الحسنة التي يجب على كلّ مسلم ومسلمة أن يتخلّق بها في أعماله وسائر علاقاته مع ربّه ومع الناس وارتباطاته بصورة عامّة في السلوک العامّ سواء مع ربّه سبحانه أو مع العباد، هو الإخلاص في كلّ عمل يعمله ، وفي كلّ قول يقوله ، وكلّ خدمة يبذلها ويقدّمها للمجتمع أو لفرد من أفراده .
ومعنى الإخلاص أن يكون العمل خالصآ من أيّ شوب يشوبه ويزري به ، فالذي يعبد الله عزّ وجلّ يجب أن يكون مخلصآ في عبادته ، فإنّ الكلم الطيّب والعمل الصالح أي الخالص يصعد إلى الله عزّ وجلّ ، فلا بدّ أن يعمل لوجه الله ولقربه إليه سبحانه ، لا لغاية اُخرى مادّية أو معنويّة . والطالب الذي يدرس يجب أن يقصد في دراسته وجه الله عزّ وجلّ ، أي لغاية التقرّب إليه عن طريق يعلّم الناس ويرشدهم فيقوم بالمسؤولية ومهمّاتها قربةً إلى الله جلّ جلاله ، ولا يريد جزاءً ولا شكورآ من أحد إلّا من ربّه ، فإنّه الشاكر عزّ وجلّ ، والشكور لا يضيع عمل عامل من ذكرٍ أو اُنثى ، فإنّه يتقبّل ما كان لوجهه خالصآ، وأمّا الذي فيه الشرک ، فإنّه يقول عزّ وجلّ : إنا خير شريكين ، ما كان لي ولغيري فأدفعه كلّه إلى غيري ، أي لا يقبل إلّا الخالص لوجهه ، فلا يشرک طالب العلم مع الله سبحانه غيره بأن يدرس من أجل الحصول على وجاهة أو مقام أو رياسة أو مال أوثروة أو منصب عالٍ في الدولة والحكومة أو يكسب ثقة الناس واعتمادهم عليه أو لغايات دنيوية اُخرى ، وكذلک المعلّم يجب أن يكون في تعليمه وتدريسه وتربيته مخلصآ لله سبحانه ، فيقصد أن يربّي طلّابآ بأحسن تربية إسلامية يتمكّنون بها من تهذيب أنفسهم وتهذيب الناس وتعليمهم . وكذلک الذي يبذل للناس خدمة اجتماعية أو مشروع اجتماعي فيبني دارآ للفقراء أو مستشفى للمرضى أو جسرآ للعابرين أو مدرسة للمتعلّمين أو أيّ شيء آخر أمثال ذلک كبناء المساجد والحسينيات والمراكز الثقافية العامّة ونحوها، فإنّه يجب أن يسعى أن يكون في نواياه وفي عمله خالصآ لله عزّ وجلّ .
وعندما يتوفّر شرط الإخلاص في كلّ عمل يعمله الإنسان فإنّه يكون من طائفة المخلصين الذين لا يتمكّن الشيطان من إغوائهم ، فإنّه حلف بعزّة الله ليغوي الناس أجمعين إلّا عباد الله المخلصين ، الذين كثرت الآيات والروايات في حقّهم ومدحهم ، وحينئذٍ ينمو عمله ويتزايد في الدنيا والآخرة كما قال  7: «ما كان لله ينمو»، كما أنّه يستحقّ عليه الأجر والثواب العظيم في الآخرة .
وأمّا إذا لم يتوفّر فيه هذا الشرط (الإخلاص ) فإنّ العمل سيكون غير كامل وكأنّه عمل مريض كما قال أمير المؤمنين  7 :«آفة العمل ترک الإخلاص فيه».
فمن أراد الشموخ والعُلى فعليه بالإخلاص ، أخلص تنال خير الدنيا والآخرة ، وما أروع ما يقوله أمير المؤمنين فإنّه جمع كلّ الخير والسعادة الدنيوية والاُخرويّة في كلمتين : «أخلِص تَنَل ».
والوصول إلى درجة المخلصين صعب مستصعب ، يحتاج إلى جهد جهيد وعمل دؤوب وجهاد مستمرّ، فإنّه ورد في الأحاديث الشريفة  :«الناس كلّهم هلكى إلّا العلماء، والعلماء كلّهم هلكى إلّا العاملون ، والعاملون كلّهم هلكى إلّا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم ».
ويقابل الإخلاص الرياء، وإنّه في النوايا والأعمال كدبيب نملة سوداء على صخرة صلداء في ليلة ظلماء، فمن يحسّ بها، إلّا الأوحدي من الناس ، وكلّ واحد هو الأوحدي من الناس وإنّه متمكّن على الإخلاص ، لأنّ الله كلّفنا بذلک ، ولا يكلّف الله نفسآ إلّا وسعها، فتكليفه بالإخلاص خير دليل على أنّه في طاقة الإنسان وقدرته ، ويمكن أن يكون مخلصآ لله، ولكنّ حبّ الدنيا وما فيها تجذبه إلى الرياء والسمعة والإطراء، فلا بدّ من المجاهدة والدعاء والطلب من الله أن يجعلنا من المخلصين .
ويتأكّد وجوب الإخلاص بالنسبة إلى طالب العلم الديني الذي ينسب نفسه إلى الحجّة المنتظر الإمام الثاني عشر صاحب العصر والزمان المهدي من آل محمّد عليه وعليهم السلام وعجّل الله فرجه وسهّل مخرجه ، فالذي ينسب نفسه إليه ويعتبر نفسه جنديآ حقيقيآ من جنود الإمام  7، لا بدّ أن يخلص في عمله وعلمه ، في نيّته وسلوكه ، في درسه وتدريسه ، في تبليغه وتصنيفه وتأليفه وخطاباته ، في سفره وحضره ، في نهاره وليله ، في نومه ويقظته ، وأكله وتنزّهه إلى غير ذلک ممّا يقوم به في حياته . أضف إلى ذلک في عباداته وتفرّغه إلى الله سبحانه وتعالى ، فيفرغ قلبه إليه ويسأله دائمآ أن يوفّقه للإخلاص ويزيد في علمه النافع وعمله الصالح ، ويكون وجوده منه وإليه وفيه .
قال سبحانه وتعالى  :(إنَّا أنزَلْنَا إلَيْکَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصآ لَهُ الدِّينَ ) .
(قُلْ اللهَ أعْبُدُ مُخْلِصآ لَهُ دِينِي ) .
(قُلْ إنِّي اُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللهَ مُخْلِصآ لَهُ الدِّينَ ) .
(وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ) .
(وَآدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
وهكذا في (سورة 10 آية 23) و(سورة 21 آية 65) و(سورة 31 آية 32) وغيره .
وأمّا الأحاديث الشريفة فما أكثرها، راجع كتب الروايات كالكافي والبحار والوافي والوسائل وغيرها.

 التواضع
 
قال مولانا وإمامنا أمير المؤمنين عليّ  7 في وصف المتّقين كما في نهجه القيّم  :
«ومشيهم التواضع ».
من الواجب الأخلاقي الملقى على عاتق كلّ فرد مسلم متديّن بدين الله عزّ وجلّ ، هو التواضع وخفض الجناح .
وكم لهذه الصفة الأخلاقية من آثار وبركات ومخلّفات في حياة الفرد والمجتمع ، أقلّها حبّ الناس وتودّدهم ، يعرفها كلّ من اتّصفت نفسه بها وتخلّقت طبيعته بهذا الخلق الرفيع .
والتواضع إحدى صفات المتّقين الواقعيين ، فإنّ مشيهم في الحياة الدنيا هو التواضع أمام الله وأمام نبيّه وأمام الإمام المعصوم وأمام القادة الدينيين كمراجع التقليد والفقهاء العظام وأمام الوالدين والمعلّم والمربّي للإنسان ، وأمام الصديق الوفي المتواضع مثله .
وكم هناک من أحاديث ونصوص إسلامية وردت بهذا الصدد، تحثّ على التخلّق بالتواضع ، وتُرغّب المسلمين فيه .
يقول الإمام المعصوم  7: من تواضع رفعه الله، ومن تكبّر خذله الله.
نعم ، هكذا يؤثّر التواضع في رفعة الإنسان عند الخالق والمخلوق ، ويشعر بروحانيّة ولذّة معنويّة تفوق اللذّات المادّية ، ويحسّ بروحية عالية ، على العكس من الإنسان المتكبّر فإنّه يحسّ في نفسه بصغار وذلّة وعقدة

الحقارة .
ولا يخفى أنّه فرق بين التواضع والذلّة ، فإنّ المؤمن عزيز، إذ العزّة لله وللرسول وللمؤمنين ، ولكنّ المنافقين لا يعلمون ، فالمؤمن عزيز في نفسه وعزيز عند الله وعند خلقه ، فالعزّة غير التكبّر، كما أنّ الذلّة غير التواضع ، فإنّ المؤمن لا يعطي بيده إعطاء العبيد الأذلّاء، بل شعاره (هيهات منّا الذلّة )، فإنّه كريم ويحفظ الكرامة الإنسانية التي حباه الله، فلا يذلّ نفسه ، نعم يتواضع لله، والتواضع غير الذلّة .
ثمّ التواضع على أقسام  :
1 ـ التواضع أمام الله عزّ وجلّ ، قال الله تعالى  :(فَلا وَرَبِّکَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوکَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أنفُسِهِمْ حَرَجآ مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمآ) .
2 ـ التواضع أمام النبيّ الأعظم  9، كما تشير إليه أيضآ الآية السابقة ، ومنه أن لا يرفع الصوت في حضرته ، ولا يقع التشاجر والاختلاف ، ولا يقال ـوالعياذ بالله‌ـ إنّ الرجل ليهجر، فما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى ، فيسلّم الأمر إليه تسليمآ.
3 ـ التواضع قِبال الإمام  7، قال الله تعالى  :(إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .
وقوله تعالى  :(أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) .

4 ـ التواضع أمام القادة الدينيين ، كما ورد في الحديث الشريف  :
«أمّا من كان من الفقهاء صائنآ لنفسه حافظآ لدينه مطيعآ لمولاه مخالفآ لهواه ، فعلى العوام أن يقلّدوه ».
5 ـ التواضع أمام الوالدين ، لقوله تعالى  :(وَآخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) .
6 ـ التواضع أمام المعلّم والمربّي والاُستاذ: فقد ورد :من علّمني حرفآ صيّرني (أو ملكني ) عبدآ، وإنّ بركة العلم في تعظيم الاُستاذ، ومن وقّر العالم فقد وقّر ربّه .
7 ـ التواضع أمام الحقّ  :بقبوله ولو على نفسه ، وأن يجلس دون مجلسه ، وأن يسلّم على كلّ من يلقاه .

التكبّر
 
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في قصّة لقمان ينصح ولده  :(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّکَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحآ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) .
هذه الآية الشريفة التي هي من نصائح لقمان الحكيم لابنه تدلّنا على صفة ذميمة ، ألا وهي التكبّر، فقد نهى لقمان ولده أن يمشي في الأرض مرحآ يتكبّر ويتبختر على الآخرين ، فإنّ الكبرياء مختصّ بذات الله سبحانه .
كما ورد في الحديث القدسي  :«الكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيه أكببته على منخريه في النار».
فإنّ الله سبحانه له الكبرياء المطلق ، فهو المتكبّر لأنّه واجب الوجود لذاته المستجمع لجميع الصفات الكمالية من الصفات الجمالية الذاتية والفعلية والصفات الجلاليّة ، فهو الغني بالذات العالم بكلّ شيء والقادر على كلّ شيء، فلا يحلو الكبرياء والعظمة والقداسة إلّا له عزّ وجلّ .
وأمّا الإنسان فهو المخلوق الضعيف العاجز والجاهل ، وكان ظلومآ جهولا، فأمره الله بأوامر، كما نهاه عن مناهي ليتكامل ويصل إلى كماله المنشود والمستودع في جبلته بالرحمة الإلهيّة فينال قمّة الكمال بالعلم والعبادة ، فمن النواهي الإلهيّة في الأخلاقيات أنّه لن يرضى للإنسان أن يتكبّر على الخلق ، إلّا مع المتكبّرين ، فإنّ التكبّر مع المتكبّرين تواضع .
فالكبر من جنود الجهل ، ومن الصفات الذميمة ، ويقابله التواضع ، فإنّه من جنود العقل ومن الصفات الحميدة .
وكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة تنصّ على مذمّة التكبّر وتأمر بالاجتناب عنها، لأنّ الإنسان كلّما عظم وكبر وزاد علمآ وجاهآ ومالا فإنّه لن يخرق الجبال تحت قدميه ، ولن يبلغ الجبال حتّى ولو طال ، فإنّ الجبال والأرض بقدرة الله الخالق العظيم الذي بيده كلّ هذه الاُمور، فلماذا يتكبّر الإنسان على الآخرين ، ما دام هناک من هو أكبر منه الذي أوجد الشخص الحقير الذي لم يوجد من قبل ولا يكون من بعد، وإنّه كان في بداية خلقته من نطفة يمنى ، وكان عاقبته جيفة نتنة ، وما بينهما يحمل العذرة ، فمن كان أوّله ووسطه وآخره هكذا فكيف يتكبّر على الآخرين ، فليس ذلک إلّا لحقارة نفسه وصغرها وجهله وعدم وعيه ومعرفته ، وكما قيل : من يتكبّر على الناس فإنّه بمنزلة الشخص الذي على جبل يرى الناس صغارآ كما يراه الناس صغيرآ حقيرآ، وربما يرونه بمقدار النملة والبعوضة .
فما أروع نصيحة لقمان لكلّ واحد من أبناء الإنسان أن يتواضع لله، فمن تواضع لله فقد يرفعه الله، ومن تكبّر فإنّه يضعه ويهوي به إلى أسفل السافلين ، فلماذا التكبّر فإنّک لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا، وكن كالشجرة ذات الفاكهة فكلّما ازدادت فاكهةً ازدادت إلى الأرض تواضعآ، وقدوتنا واُسوتنا في التواضع الأنبياء والأوصياء والعلماء الصالحين ، فبهداهم اقتده ، فإنّهم الاُسوة والقدوة الصالحة .
 
التوبة والاستغفار
 
قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَاُوْلَئِکَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمآ حَكِيمآƒ17 وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ اُوْلَئِکَ أعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابآ ألِيمآ) .
لا شکّ ولا ريب أنّ من مميّزات الإسلام وخصائصه التي امتاز بها على سائر الأديان أنّه فتح باب التوبة بمعناها الحقيقي ، فإنّه قرّر في وجه المذنبين والمخطئين والذين غلبتهم الشهوات والمصالح المادّية والشخصيّة فاقترفوا الذنوب والآثام إلّا أنّهم عادوا يلتمسون بابآ يتقرّبون به إلى ربّهم الكريم الغفّار التوّاب ، ويعيدون علاقتهم معه سبحانه فقرّر لهم على اساس صحيح ومنهج
سليم .
والآية الشريفة تتعرّض لطوائف ثلاث من الناس  :
الاُولى : طائفة عملوا السوء بجهالة وسفاهة وضلالة ثمّ انتهوا إلى فعلهم الشنيع وعملهم الفاسد، فتبصّروا وتابوا إلى بارئهم دون أن يستمرّوا في غيّهم وضلالتهم عن الهدى حتّى تبلغ الروح الحلقوم ، فلا تقبل توبتهم وإنابتهم ، فتابوا إلى الله جلّ جلاله قبل أن يتبيّن لهم الموت ويدخلوا في سكراته ، فهذه التوبة هي توبة الندم والانخلاع عن الخطيئة ، والنيّة الصادقة على العمل الصالح ، والتي يقبلها الله، والتي تفضّل وأجاد فكتب على نفسه الرحمة بقبولها، فقال عزّ وجلّ : (إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ)، وهذا من باب (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) ، وهذه التوبة إنّما تصدر من التقيّ الذي أصابه مسّ من الشيطان فتبصّر وإذا به يتذكّر، فيندم ويرجع إلى الله تائبآ نادمآ مستغفرآ باكيآ، فيدلّ على أنّ هذه النفس قد هزّها الندم والاضطراب من الأعماق ، ورجّها رجّآ شديدآ حتّى استفاقت من سُباتها، وهي لا زالت في فسحة من العمر، فاُولئک يتوب الله عليهم ، فإنّ ندمهم ندم صدق بلا رجوع إلى الذنب والمعصية ، فلا يطردهم من بابه ولا من المجتمع ، مع العلم أنّ لهم نيّة حقيقيّة صادقة في سلوک طريق جديد طاهر، وكيف يطردهم ولا يقبلهم وهو غنيّ عنه ، ولا تنفعه توبتهم بل تنفع أنفسهم وتصلح حياتهم وسيرتهم الفردية والاجتماعية .
الثانية : طائفة يعملون السيّئات ويستمرّون في الانحراف والضلال ولا يفيقون رغم النصائح والمواعظ التي تبلغهم من قبل الأنبياء والأوصياء والعلماء الصالحين ، فلم يتّعضوا إلّا حين يحضر أحدهم الموت فيقول : إنّي تبت الآن ، فهذه التوبة هي توبة المضطرّ الذي أحاطت به خطيئته ، فإنّه يتوب توبة من لم يكن عنده وقت لاستمرار المعصية وارتكاب الذنوب ، وهذه لا يقبلها الله لأنّه عاين الموت وليست من أعماق القلب ولا تنشئ إصلاحآ فيه ولا في الحياة ، فهو على شرف الاحتضار والذهاب ، فلا تدلّ توبته هذه على تبدّل في الطبع وإصلاح في النفس والحياة .
الثالثة : الذين يموتون وهم كفّار، استمرّوا على طغيانهم وكفرهم بالله سبحانه وعدم إيمانهم بخالقهم العظيم حتّى الموت ، فهؤلاء قد فقدوا كلّ ما بينهم وبين التوبة من خيوط وعلائق ، وضيّعوا كلّما بينهم وبين المغفرة من فرص وحالات ، ولا تقبل توبتهم أيضآ، بل اُولئک اعتاد الله لهم عذابآ أليمآ.
وزبدة الكلام : يا أيّها الإخوان ، ينبغي للمسلم الحقيقي أن يتوب سريعآ ودائمآ إلى الله سبحانه ، ويستغفر من اذنوب التي ارتكبها كما يعوّض ما كان قابلا للتعويض من إرجاع المال إلى أهله ، وأداء حقوق الله كقضاء الصلاة والصيام وأداء الخمس والزكاة ، فيذكر الله قولا وعملا، كما قال سبحانه وتعالى  :(وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) .
ولا شکّ ولا ريب أنّ الله وعد بقبول التوبة من غير الكافر والمشرک مهما كانت الذنوب والمعاصي ومهما كثرت وزادت  :(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللهُ) .
كما يدلّ على ذلک الآيات الكريمة والروايات الشريفة ، فإنّ الله يغفر جميع الذنوب إلّا ما اُشرک به ، وقد ورد في الدعاء :«اللهمّ إنّي أطعتک في أحبّ الأشياء إليک ، وهو التوحيد، ولم أعصِکَ في أبغض الأشياء إليک ، وهو الشرک ، فاغفر لي ما بينهما».
إلّا أنّ الشرط الأساسي الذي لا بدّ أن يتوفّر في كلّ تائب وفي كلّ توبة هو الندم الواقعي والاضطراب الباطني على ما مضى من المعصية والآثام ، ثمّ العزم على عدم العود إليها مرّة اُخرى ، ولا يبغي الفساد في الأرض ، ولا يكون كمن وصفهم القرآن الكريم  :(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْکِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّـبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ المَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أنَّهُمْ اُحِيطَ بِهِمْ دَعَوِا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أنْجَاهُمْ إذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ) .
ولا يخفى أنّ التوبة أوّل منازل السير والسلوک للسائرين إلى الله
سبحانه .
وختامآ ينبغي أن نتنبّه ونعمل بما قاله أمير المؤمنين عليّ  7 لكميل بن زياد النخعي عندما سأله عن الاستغفار والتوبة ، فقال  :«الاستغفار درجة العلّيّين ، وهو اسم واقع على ستّة معانٍ  :أوّله : الندم على ما مضى .
والثاني : العزم على ترک العود إليه أبدآ.
والثالث : أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله أملس ليس عليک تبعة .
والرابع : أن تعمد إلى كلّ فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقّها.
الخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السُحت فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.
السادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية .
فعند ذلک تقول : أستغفر الله».
 
ملء الفراغ
 
الانسان ـمنذ نعومة أظفاره ـ يسعى جادّآ ويجدّ جاهدآ في حصول السعادة ، ولا يتمّ ذلک إلّا بملء الأوقات ، وكما قيل : (الوقت من ذهب ، فإن فات فقد ذهب ).
وبما أنّ مهن الناس متفاوتة وآراءهم وميولهم مختلفة ، وكلّ بحسب ما يقتضيه حاله ومكانه وزمانه ، فإنّه يستطيع أن يملأ فراغ وقته وعدم مضيعة الأوقات هدرآ، لا ثمر فيه ولا شجر، ويحصد زرع عمره الندم والتأسّف والتحسّف ، وكيف مرّت أيامه بلا نتيجة وانقضت ساعاته بلا ثمن ولا زاد يُقدم للاخرة ، وهو يعلم أنها لن تعود ثانية ـوهيهات ـ، وإنّها مرّت وتمرّ مرّ
السحاب .
ولئلّا يستشعر بالفشل والتأوّه والوجل ، فعليه الانتباه والحذر من إضاعة عمره وتمزيق حياته بالتسويف ، وصرفها بالآمال بإهمال من دون أعمال ، فالآجال تأتي غفلةً من دون إعلام وإشعار وأخبار.
فالسعي والجدّ لإعمار الآخرة (وَأنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى )  بملء الأوقات بالحسنات والعبادات .
وحيث تختلف أعمال الناس فيمكن لكلّ مهنة أن ينوي التقرّب لربّه خلال ممارسة عمله . ويراقب معاملته الاجتماعية مع الآخرين ويحاسبها على الدوام ويتلافى الأخطاء.
فمثلا: التاجر يملأ الفراغ بتصفية الحسابات ، والتفكير بما يجلب الربح بلا ظلم للمستهلک والاستعداد لتجارة محلّلة شرعآ نافعة للاخرين ، وما شابه .
والزارع يملأ فراغه بإصلاح أرضه وسقي زرعه .
والنساء يملئن فراغهنّ بتزيين أنفسهن لأزواجهنّ وتنظيف بيوتهن ومداراة أولادهن .
والأطفال باللعب النافع والفكري .
والطالب بعد مطالعة دروسه اليوميّة يسدّ فراغه بمطالعة الكتب الجيّدة والمجلات المفيدة .
وعلى العموم فإنّ قراءة الكتب ضرورة للجميع لثقافة عامّة ، وكذا ذكر الله بالتسبيح والتهليل وغيرهما، كما وإنّ النظر إلى إصلاح ذاته بالخلق الحسن مع بني جنسه .


العفو عند المقدرة
 
العفو في الإسلام له أهمية كبيرة وأثر عظيم ، وقد كثرت الآيات في مدحه وتواترت الروايات في حسنه ، بعبائر مختلفة وألفاظ متعدّدة ، تهدف إلى مضمون واحد بضروريّته في المجتمع ، وقد حكم العقل بذلک ، وأقرّه الوجدان ، وحبّذه الضمير وإنّه من الفضائل والمكارم .
والعفو عند المقدرة يظهر جلالية وجمال خُلق صاحبه وما يتحلّى به .
وقد حثّنا الاسلام على هذه الصفة الحميدة  :(وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) .
(وَإنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وطبقها ـعمليآـ المعصومون  :، باعتبارهم القدوة الصالحة والاُسوة الحسنة لجميع الناس ليقتدوا بهم ويتمثّلوا بسيرتهم الجليلة ، التي نوّرت صفحات التأريخ الانساني . وعرفوا بسلوكهم نهج السعادة الاجتماعية وتهذيب النفس ورقيّها للكمال الحقيقي .
فقد روي أنّ رسول الانسانية  9 كان يمرّ في طريق فيؤذيه أحد اليهود، ويلقي عليه قاذورات ، ومرّت الايام على ذلک المنوال ، وبعد زمن لم يرَ النبيّ ذلک اليهودي وعمله المشين ، فسأل عنه ، فقيل له : إنّه مريض ، فقال : وجبت عيادته ،
فتعجّب أصحابه وبهتوا لهذه الأخلاق العظيمة ، وهو صاحب قدرة على إيذائه أو منعه على الاقل . وإذا به يقوم بزيارته لأنه مريض . وفعلا بعد الإذن في دخول بيته ؛ سلّم عليه وجلس عند رأسه ودعا الله بأن يكسوه العافية ويعجّل بشفائه ، فلمّـا رأى اليهودي خلق الرسول وسمع دعاءه ، خجل خجلا تصبّب عرقه ، ثمّ شهد الشهادتين على يدي المبعوث رحمةً للعالمين .
إنّه درس لمن ألقى السمع وهو شهيد، إنّه عطاء مثمر تتغذّى الاجيال من موائد أهل بيت الرحمة  : على مرّ الزمان ، إنّه نفحة روحيّة تترشّفه رواد الاخلاق الفاضلة لمن وعى معنى الانسانية فكانت سيرته منهاجآ قويمآ توصل البشرية شواطئ الخير والرفاه .
إنّه العفو مطلقآ، والعفو عند المقدرة بالخصوص ، وإنّها سيرة الائمة الاطهار على مسار حياتهم معلنين تغيّر حركة التأريخ نحو ثراء الخلق وإغنائه.
وقد ورد في النصوص الشريفة عن الرسول الأعظم وعترته الطاهرة  : مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة ثلاث : أن تعطي من حرمک ، وتصل من قطعک ، وتعفو عمّن ظلمک .
ولا يخفى أنّ العفو حسن لمن ظلمک شخصآ، فإنّ الظلم على نحوين  : تارةً ظلم شخصي ، واُخرى ظلم اجتماعي ، فحسن العفو لا سيّما عند المقدرة فيما لو كان الظالم قد ظلمک بظلم شخصي ، وأمّا الظالم الاجتماعي ـكالطغاة والجبابرة ـ فالمفروض مكافحتهم والقيام ضدّهم ، كما قال أمير المؤمنين عليّ  7: كن للظالم خصمآ وللمظلوم عونآ.
فلا بدّ من الجهاد والثورة ضدّ الظلم والظالمين .

 وملبسهم الاقتصاد
 
قال أمير المؤمنين أسد الله الغالب الإمام عليّ بن أبي طالب في حديث طويل في وصف المتّقين كما في نهج البلاغة  :«وملبسهم الاقتصاد».
الاقتصاد لغة : من القصد وهو بمعنى الحدّ الوسط من دون إفراط وتفريط ، وهذا المعنى اللغوي شائع في النصوص الدينية ، والمعنى المصطلح مأخوذ منه أيضآ.
ثمّ هناک صفة عامّة يجب أن تنطبع بها كلّ أفعال الإنسان المؤمن إيمانآ حقيقيآ، فمن كان مؤمنآ بالله وباليوم الآخر، فكلّ حركاته وسكناته ومظاهر سلوكه الخارجي والداخلي تنطبع بهذه الصفة ، ألا وهي صفة الاقتصاد ومعناه المحافظة على الاعتدال والتوسّط في كلّ شيء من الأكل والنوم وفي اللباس والأثاث والمتاع ، وفي القول والعمل والاستمتاع بكلّ الملذّات وغير ذلک .
يجب أن يكون المؤمن والمتّقي والخائف من الله سبحانه معتدلا في هذه الحركات كلّها بمعنى أن لا يكون في جانب الإفراط ، كما لا يتّخذ جانب التفريط ، فمثلا: لا يكون جبانآ ولا يكون متهوّرآ، بل يراعى الحدّ الوسط والذي يسمّى بالشجاعة ، ولا يكون بعيدآ عن العبادة أصلا كما لا يكون أيضآ صارفآ أوقاته كلّها في العبادة والصلاة وغير ذلک بحيث ينسى نصيبه من الدنيا، وهكذا في سائر التصرّفات يجب أن يكون محافظآ على الاعتدال والحدّ الوسط ، حتّى في ملبسه كما وصفه أمير المؤمنين عليّ  7 بقوله : «وملبسهم الاقتصاد». ولا يبعد أن يكون مقصوده  7 أنّ المتّقين في كلّ حركاتهم وأعمالهم يلبسون الاقتصاد.
فالاقتصاد والاعتدال بمنزلة اللباس لهم ، يلبسونه على كلّ تصرّفاتهم وسلوكهم ، وكما أنّ اللباس يستر البدن كلّه ويلبسه فيكون قالبآ للبدن كذلک الاقتصاد قالب لأعمال المتّقين ، فليس المقصود هو الاقتصاد في اللباس فقط ، حتّى يكون أحد أوصاف المتّقين أنّهم يقتصدون في ملابسهم فقط ، بل مقصود الإمام  7 الاقتصاد في كلّ شيء غير اللباس ، فإنّه لم يقل وملبسهم الاقتصاد وفي اللباس ، فلماذا نحصر كلامه  7 بخصوص اللباس ، بل يكون من الاستعمال المجازي والكنائي أو الاستعارة كما في قوله تعالى في الأزواج  :(هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) .
هذا ولنا في سيرة الإمام  7 وتصرّفاته خير اُسوة وقدوة ، فلننظر إلى تاريخه المشرق وإلى ما يقوله التاريخ عن هذا الإمام العظيم صوت العدالة الإنسانية ، ولنفهم ما يقوله في مكتوبه إلى عثمان بن حنيف الذي كان واليآ على البصرة من قبله  7 حيث يقول  :«ألا وإنّ لكلّ مأموم إمامآ يقتدي به ويستضيء بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعامه بقرصيه »...
وهكذا إلى أن يقول  :«فوالله ما كثرت من دنياكم تبرآ ولا ادّخرت من غنائمها وفرآ، ولا أعرت لبالي ثوبي طمرآ».
وقال في حديث آخر :«لا تقدروا على ما أنا عليه ، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد وعفّةٍ وسداد».
 
نوعيّة التحدّث
 
من أهمّ المواضيع والمفاهيم الأخلاقية في الإسلام هو نوعيّة التحدّث مع الناس وكيفيّة معاشرة مختلف الطبقات الاجتماعية ، وملاحظة الرموز الأخلاقيّة في علاقات الإنسان مع سائر الأفراد.
وهناک كتب عديدة مؤلّفة بقلم الكتّاب الغربيّين أو الشرقيّين تبيّن الأساليب التي بها يتمكّن الإنسان من التأثير على الناس والنفوذ في روحيّاتهم ونفسيّاتهم ، مع أنّنا لو لاحظنا الأحاديث الإسلامية لرأيناها تهتمّ بهذا الجانب اهتمامآ أكيدآ، وتوضح لنا مختلف الطرق والسبل للتعرّف على الناس وكسب مودّتهم وكيفيّة التكلّم والتحدّث معهم ، فهناک العشرات من الروايات التي وردت بهذا الصدد. أضف إلى ذلک سيرة وسلوک النبيّ الأعظم الذي وصفه الله بقوله  :(وَإنَّکَ لَعَلى خُـلُقٍ عَـظِيمٍ ) .
وكذلک حياة الأئمة الأطهار المليئة بالنماذج الحيّة ، وكذلک حياة علمائنا الصالحين رحم الله الماضين وحفظ الباقين ، فيمكننا أن نأخذ من سلوكهم مع الناس دروسآ عديدة ومهمّة ، فإنّهم القدوة الحسنة والاُسوة
الصالحة .
فمن آداب النبيّ  9 أنّه كان يبتدئ بالسلام على من يراه ويلاقيه ، حتّى لم يسبقه بالسلام أحد، كما أنّه لم يكن ينظر إلى من يريد أن يتكلّم معه شزرآ، بل كان يتّجه إليه بكلّه ، ويكلّمه بلطف ويبتسم في وجهه ، ولو أخطأ شخص في كلامه لم يكن يؤاخذه ويحاسبه . بل بكلّ مودّة ومحبّة يشير إليه إلى ما فيه الصواب والصحيح .
ولم يجرأ أحد أن يرفع صوته عنده هيبة منه وإجلالا له .
وكان قليل الكلام ولا يقطع كلام أحد ولا يلوم أحدآ، وكان يستمع إلى كلام الناس ...
وأمير المؤمنين  7 نسخة اُخرى لهذه الأخلاق الفاضلة ، وقد وصف  7 المتّقين في خطبته المعروفة بخطبة المتّقين التي قالها لهمّام أحد أصحابه ، فقال  7: «ومنطقهم الصواب »، أي من المتّقين والذين يخافون ربّهم أحد صفاتهم أنّهم في منطقهم وكلامهم لا ينطقون إلّا بالكلام الصحيح الخالي عن الكذب والافتراء والفحش والغيبة وهتک الأعراض والاستهزاء والسبّ والإهانة وقول الزور والباطل والغناء وما شابه ذلک من الكلام البذيء الذي لا يرضي الله سبحانه .
وهكذا يكون منطقهم صوابآ لا خطأ فيه ولا معصية .

سوء الظنّ
 
قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آجْتَنِبُوا كَثِيرآ مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْـتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضآ أيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يَأكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَـيْـتآ فَكَرِهْتُمُوهُ وَآتَّـقُوا اللهَ إنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) .
عندما نقرأ ونتلو هذه الآية المباركة ونتأمّل فيها نجد أنّ هناک ثلاث مراحل نهى الله عنها، وإحداها تتلو الاُخرى ، وهي  :
الاُولى : ظنّ السوء بالآخرين ، فإنّ الإنسان باعتبار مدركاته له حالات أربعة ، فإمّا أن يقطع ويعلم ويتيقّن بالموضوع أو القضيّة وهو اليقين والعلم ، ويكون ما يعلمه ويدركه مئة بالمئة ، وإمّا ان يشکّ فيه أي خمسون بالمئة إيجابآ وخمسون سلبآ، فهو متساوي الطرفين ، أو يقلّ عن الخمسين إلى الواحد بالمئة ، فهو الوهم ، وما يزيد عن الخمسين إلى 99 % فهو الظنّ ، وإذا كان متاخمآ وقريبآ للعلم يسمّى بالعلم العادي ، وفي المصطلح القرآني يطلق الظنّ ما دون المئة إلى الواحد فيعمّ الظنّ والشکّ والوهم المنطقي .
فالقرآن الكريم أكّد على اجتناب الظنّ وأنّه لا بدّ من العلم واليقين ، لأنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئآ، إلّا الظنّ المعتبر شرعآ كخبر الثقة وظواهر الكتاب الكريم ، وغيرهما يلحق بالظنّ المطلق الذي ثبت في علم (اُصول الفقه ) كما عند
شيخنا الأعظم الشيخ الأنصاري في فرائده عدم حجّيته بالأدلّة الأربعة ـالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ـ فسبحانه وتعالى نهى المؤمنون عن كثير من الظنّ ، فإنّ بعضه فيه الإثم والذنب ، إذ يترتّب عليه مفاسد فرديّة واجتماعيّة .
ولا يخفى أنّه ورد «أنّ سوء الظنّ من حسن الفِطن »، وأنّه «إذا فسد الزمان فلا تحسن الظنّ »، ولكن جمعآ بين هذا وبين ما ورد من النهى نقول : إنّ سوء الظنّ في بعض الموارد من الكياسة وحسن الفطانة ، فإنّه يستلزمه الحذر والاحتياط وعدم التورّط بالشبهات والمشاكل المجهولة ، ولكن بشرط أن لا يرتّب على سوء ظنّه من الآثار العمليّة ، فإنّ بعض الظنّ إثم ، فلا يرتّب الأثر حتّى يصل إلى درجة العلم واليقين والشهود والحضور، ولكن هذا لا يعني أنّه يتجسّس على الآخرين ليؤكّد سوء ظنّه ويُبتلى بالمرحلة الثانية ، فإنّ من يسيء الظنّ بأخيه المؤمن عندما يريد أن يتيقّن من ظنّه هذا فإنّه يبدأ بعملية التجسّس من كلّ جانب ومكان ، وهذا ممّا حرّمه الله سبحانه أيضآ بقوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا) والنهي يدلّ بظاهره على التحريم ، فيحرم عليه التجسّس كما أنّه يبتلى  بالمرحلة الثالثة ، وهي الغيبة المحرّمة أشدّ الحرمة ، فإنّه عندما يتجسّس ويطّلع على بعض القضايا يحاول أن يذكره عند الناس ، فيذكر من أخيه ما لو سمعه لتألّم وكره ذلک ، وكأنّه يقطع من لحم أخيه فيأكل وهو غائب عنه ، وكأنّه بحكم الميّت ، وهل الإنسان عنده استعداد أن يأكل لحم أخيه ميّتآ؟ هيهات فإنّه يكره ذلک .
فالغيبة من الصفات الرذيلة والقبيحة ، يعبّر الله عنها باللحم الميّت ، وبهذا يستفهم على نحو الاستنكار أنّه أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتآ، فأجاب  : فكرهتموه .
فالآية الشريفة ترتبط بعضها ببعض ، وإنّه إذا دخل الإنسان في المرحلة
الاُولى (سوء الظنّ )، فإنّه سيدخل في المرحلة الثانية (التجسّس ) وإذا عمل به سيدخل الثالثة (الغيبة )، فلا بدّ من الاجتناب عن الاُولى أوّلا حتّى لا يبتلى بالمراحل البقيّة ، وهذا من الاُصول الأخلاقية في الإنسان أن يعالج المسألة من البداية ومن جذورها وأساسها وعللها الاُولى ، فينهى عن سوء الظنّ ، فإنّ بعضه إثم ويترتّب عليه التجسّس والغيبة التي هي إدام كلاب النار.
 
الوحدة الإسلاميّة
 
قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(وَآعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعآ وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَـيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانآ وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْهَا) .
وقال تعالى  :(إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَـيْنَ أخَوَيْكُمْ ) .
(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) .
قال رسول الله  9 :«إنّما المؤمنون في تواصلهم وتوادّهم كالجسد الواحد، كلّما اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى ».
وقال  9 :«من هجر أخاه المسلم ثلاثة أيّام فليس بمسلم ».
وقال  9 :«من أصبح ولم يهتمّ باُمور المسلمين فليس منهم ».
نفهم من مجموع هذه النصوص الإسلامية من القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة وكذلک الآيات والأخبار الاُخرى الكثيرة جدّآ عن الرسول والعترة الطاهرة الأئمة المعصومين من أهل بيته  : أنّ الإسلام حاول بكلّ جهوده وجهاده وشتّى طرق محاولاته أن يوحّد المسلمين بكلمة التوحيد والتي هي كلمة الاُمّة الإسلامية ، كما عبّر عن ذلک المرحوم آية الله المجاهد الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء  1، فقال : «ليس الإسلام سوى توحيد الكلمة بكلمة التوحيد».
ومع الأسف الشديد تغلغل الكفر والاستعمار بين المسلمين ، ومن اليوم الأوّل ليثبت بينهم سموم الشقاق والاختلاف والنزاع الدمّوي انطلاقآ من سياسته المقيتة (فرّق تسد)، فوقع المسلمون من أوّل يومهم الغابر في شبكاتهم وحبائلهم وإلى يومنا الحاضر، وكأنّهم كانوا غيّابآ عن هذه النصوص الإسلامية القاطعة ، فكانوا من أمرهم كما قال السيّد جمال الدين الأسدآبادي : «إنّهم اجتمعوا على أن لا يجتمعوا، واتّفقوا على أن لا يتّفقوا، واتّحدوا على أن لا يتّحدوا».
فلا بدّ أن نرجع إلى صميم الإسلام مرّةً اُخرى ونوحّد الصفوف والقلوب أمام أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود والصهاينة والاستعمار العالمي بقطبيه الغربي والشرقي ، ومكافحة ثقافتهم الاستعمارية من الامبريالية والشيوعيّة ، فلا شرق ولا غرب ، نعم للإسلام وحده ، وأنّه يعلو ولا يُعلى عليه ، وإنّ الأرض لعباد الله الصالحين ، هذا ما وعدنا الله به ، ولن يخلف الله وعده .
ولا يخفى أنّ دواعي الاختلاف كثيرة ، منها الاختلاف العقائدي والمذهبي بين الأديان والمذاهب ، فيا تُرى ما هو الحدّ الصحيح من هذه الاختلافات العقائديّة ؟
 
الاختلاف العقائدي في منطق الإسلام
 
قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الكَافِرِينَ أوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ ) .
وقال عزّ وجلّ  :(لا تَـتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أوْلِـيَاءَ تُـلْـقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ).
وقال سبحانه  :(لا تَجِدُ قَوْمآ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) .
وقال عزّ من قائل  :(قُلْ إنْ كَانَ آبَاوُكُمْ وَأبْنَاوُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأمْوَالٌ آقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللهُ بِأمْرِهِ ) .
وقال جلّ جلاله  :(إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) .
نفهم من مجموع هذه الآيات الكريمات وكذلک الاُخرى ، كما جاء في الأخبار والأحاديث الواردة عن رسول الله  9 وأهل بيته الأطهار  : أنّ الله تبارک وتعالى أمرنا نحن المسلمين أن نجتنب الكافرين من اليهود والنصارى والمشركين ، ولا نوادّهم ولا نلقي إليهم المحبّة والمودّة ، ولا ندعهم يدخلون المسجد الحرام قبلة المسلمين والإسلام ، فضلا من أن نتّخذهم أولياء... وعلى هذا يبتني حكم الفقه الإسلامي ، فإنّه يجب على المسلمين كافّة وأصحاب المسؤولية والسياسة خاصّة أن يجتنبوا الكافرين لكفرهم ونجاستهم ، فهذا حكم فقهي وسياسي ديني يقصد منه الإسلام الفصل بين معاشرة المسلمين مع الكافرين لئلّا تتسرّب العقائد الكافرة والأفكار المنحرفة منهم إلى المسلمين ، وإلّا فلا يحكم الإسلام بحرمة حسن معاشرتهم والإحسان إليهم والمعاملة معهم معاملة طيّبة تحكي عن أخلاق الإسلام الرفيع كما قال أمير المؤمنين عليّ  7 لولده الحسن  7: «إذا جالست يهوديآ فأحسن مجالسته »، فهذا جائز ومباح ، بل مندوب إليه في الشريعة الإسلامية وأخلاقها الطيّبة ، إلّا أنّه ما لم يكونوا في حالة حرب واعتداء مع المسلمين ، وتخطيط لنهب ثرواتهم والوقيعة بمقدّساتهم ، فعندئذٍ يحرم ذلک على جميع المسلمين ، بل لا بدّ من مكافحتهم وقطع أياديهم من بلاد المسلمين .
وفي القرآن الكريم آية تدلّ على إباحة المعاشرة الحسنة معهم ما لم يكونوا في حالة حرب مع المسلمين ، وذلک في قوله تعالى  :(لا يَـنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُـقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أنْ تَـبَـرُّوهُمْ وَتُـقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) .
فإنّ هذه الآية تدلّ بوضوح على أنّ الآيات السابقة التي كانت كلّها تدلّ على حرمة المعاشرة معهم ، إنّما ذلک في حالة محاربتهم مع المسلمين (ما عدا حكم نجاستهم ).
وأمّا بالنسبة إلى من لم يحارب المسلمين منهم ، فإنّ هذه الآية الأخيرة تبيح لنا حسن معاشرتهم وكسبهم ودعوتهم إلى الإسلام دين الله القويم  :
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينآ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) .

الأعياد في الإسلام
 
قال رسول الله  9 :«أعياد المسلمين أربع : الفطر والأضحى والغدير والجمعة ».
العيد في اللغة إمّا أن يكون مأخوذآ من عاد يعود، ويسمّى اليوم الخاصّ بالعيد لأنّه يعود كلّ سنة مرّة ، أو مأخوذ من العوائد جمع العائدة ، بمعنى : الفائدة الموهوبة ، لأنّ العيد يشمل على عوائد ومواهب وذكريات طيّبة .
ولكلّ اُمّة أعياد من ذكرياتهم يمجّدونها ويحتفلون بها، وقد عيّن الرسول الأعظم محمّد  9 لاُمّته في شريعته السمحاء أعيادآ أربعة  :
1 ـ عيد الفطر : وهو أوّل يوم من شهر شوّال المكرّم من كلّ سنة ، ويسمّى بالفطر لإفطار الصائمين فيه ، ولإعطائهم زكاة الفطرة إلى فقرائهم ومساكينهم وفي سبيل الله، ويعود الله عليهم بعوائده وفواضله من قبول الصيام والأعمال الصالحة والصدقات والزكوات .
2 ـ عيد الأضحى  : وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة الحرام ، ويسمّى بالأضحى ، لأنّ الحجّاج يضحّون قرابينهم إلى الله في (منى ) ويعود الله عليهم بعوائده ونِعَمه الخاصّة ، من قبول الحجّ والأعمال والمناسک ونزول الفيوضات الإلهيّة .
3 ـ عيد الغدير : وهو اليوم الثامن عشر من نفس الشهر (ذي الحجّة )، ويسمّى بالغدير من باب تسمية الزمان بتسمية المكان ، وإعادة الذكرى والخاطرة ، فإنّ الغدير اسم للمكان الذي حدث فيه هذه الذكرى المباركة وهي ذكرى نصب أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب  7 في منصب الإمامة والخلافة بلا فصل بعد النبيّ المصطفى محمّد  9، وأخذ البيعة من الناس له على ذلک ، ونزول آية إكمال الدين وإتمام النعمة في قوله تعالى  :
(اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينآ) .
فهو يوم مبارک وعظيم عند الله والأنبياء والأولياء والصالحين عاد الله تعالى فيه على المؤمنين والمسلمين بعوائد جمّة ومنافع عظيمة ، من إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ ، وذلک بتتويج أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب بتاج الإمامة والإمارة على المؤمنين ، فالذكرى إذن ذكرى تتويج الإمام  7 بتاج الإمامة .
4 ـ يوم الجمعة  : وهذا يكون كلّ اُسبوع ويعود المسلمون فيه للاجتماع في جوامعهم حول أئمّتهم وعلمائهم ليستمعوا إلى خطبهم ومواعظهم وإرشاداتهم وإلى ما حدث على المسلمين في الاُسبوع المنصرم ، وما يجب عليهم في الاُسبوع الآتي من العمل والجهاد والسعي .
ومن هذا الحديث الشريف في مطلع الموضوع نفهم أنّ أعياد المسلمين أربع ، وما زاد عليها فليس من الإسلام في شيء، وإنّما هي زوائد زيدت عليه ، فإن كانت باسم الشريعة والدين فسوف تكون بدعة محرّمة ، فإنّها إدخال ما ليس في الدين في الدين ، وقد قال رسول الله  9: «كلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار»، وإن كانت باسم أعياد وطنيّة أو قوميّة أو إقليمية أو غيرها فهي ليست من الشريعة أيضآ، ولكنّ الالتزام بها لا يحكم عليه بالحرمة المطلقة ، وربما يقال بجوازها لو لم تتنافى مع روح الإسلام والشريعة السمحاء.
 
إحياء الذكريات الإسلاميّة
 
لقد قلنا في مفهومنا الإسلامي عن الأعياد المباركة أنّها ليست سوى أربع  : الفطر والأضحى والغدير والجمعة .
ولكنّنا نعود الآن لنقول : إنّ الأعياد الإسلامية وإن كانت أربعة فقط إلّا أنّ التشييد بأيام الله سبحانه وبالذكريات الإسلامية المجيدة سوى الأعياد الأربعة أنّه من الأمر المستحبّ والمندوب إليه من قبل الشارع أيضآ، فإنّ أئمة أهل البيت  : والرسول الأعظم  9 في سيرتهم الشريفة نجد ما يدلّ على هذا الأمر بوضوح ، فذكّرهم بأيام الله، لما في الذكرى والتذكرة من نفع جسيم وفائدة عظيمة للمؤمنين ، فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين ، وبهذا ورد عن الأئمة الأطهار تكريم أيام الله عزّ وجلّ ، والتي منها ما فيها الفرحة والسرور كولادتهم ، ومنها ما فيها الحزن والألم كشهادتهم ومصائبهم ، فيحتفل بمواليدهم ووفياتهم إحياءً لسيرتهم وحياتهم وتخليدآ لذكراهم حتّى يقتدى بهم ويتأسّى بنهجهم وسلوكهم ، ويؤخذ بعقائدهم وفقههم ، فلا بدّ لنا من إحياء الأيام التي فيها مجد الإسلام وعزّه .
قال الإمام الصادق  7 :«شيعتنا منّا، خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، اُولئک منّا ونحن منهم وهم معنا في الفردوس الأعلى ».
وهذه الأيام ومناسباتها المجيدة ، بما أنّها مناسبات دينيّة إسلاميّة تتّصل بالوحي وبالسماء وأهله ، فهي من شعائر الله تعالى وقد قال سبحانه  :(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ ) .
إذن ، تعظيم المناسبات الإسلامية المجيدة ، هي من شعائر الله وذلک أمر مندوب إليه من قبل الأئمة الأطهار  :، وربما في بعض الصور يكون لازمآ وحتمآ مقضيّآ، فمن تلک الشعائر الإلهيّة ذكرى ميلاد النبيّ الأعظم محمّد  9 وذكرى مبعثه الشريف وذكرى وفاته ، وذكرى ولادة الزهراء فاطمة سيّدة النساء  3 وكذلک شهادتها، وذكرى مواليد الأئمة الأطهار وأيام شهادتهم لا سيّما قصّة كربلاء وواقعة الطف ويوم عاشوراء.
فتعظيم هذه الأيام الخالدة تعظيم لأصحابها العظماء، بما هم اُمناء الله ورسله على عباده ودينه العظيم لشعائر الله العظيم ، وإنّ تعظيمها من تقوى القلوب وأنوار العقول ، فتُعظّم هذه الأيام وأمثالها لا باعتبار أنّها أعياد إسلامية رسميّة ، بل بحسبانها ذكريات أيام إسلامية مجيدة خالدة تُعظّم وتُبجّل وتُكرّم تعظيمآ لشعائر الله سبحانه  :(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ ).

فضيلة الجهاد
 
قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ).
من المفاهيم الإسلامية المقدّسة موضوع الجهاد، والجهاد من الجُهد ـبالضمّ أو الفتح ـ لغةً بمعنى بذل ما في الوسع والطاقة ، واصطلاحآ بمعنى جهاد العدوّ، والأعداء إمّا باعتبار داخل المسلم أو باعتبار خارجه ، فمن يجاهد في الله سبحانه أعداءه في داخل نفسه أي النفس الأمّارة بالسوء والشيطان الذي يوسوس في صدره ، وهو عدوّه اللدود، فإنّ ذلک من الجهاد الأكبر، وتارةً المسلم يجاهد أعداء الإسلام وهو الجهاد الأصغر، وأشجع الناس من غلب هواه ، فجهاد النفس أعظم ، كما أنّه يجب جهاد أعداء الإسلام والمسلمين من الكفّار والمشركين والمنافقين ، فقاتلوا أئمة الكفر والنفاق ، ومن يقتل فلا تحسبه ميتآ، بل من يقتل في سبيل الله يكون حيّآ عند ربّه يرزق ويفرح ويستبشر بما يأتي من بعده .
فالجهاد أصل من اُصول الإسلام ، وانتشر الإسلام بخُلق النبيّ وأموال خديجة وشجاعة أمير المؤمنين عليّ  7 وجهاد المجاهدين والمخلصين والشهداء الصالحين .
إلّا أنّه من المفاهيم الخاطئة التي تسرّبت إلى البلاد الإسلامية من جرّاء التبشيرات المسيحية المقيتة والمنحرفة حول مفهوم (الجهاد في الإسلام ) فسعى المسيحيون بالدعوة المسيحية الجوفاء الفارغة على أنّ السيّد المسيح  7 إنّما جاء بالسلم والمحبّة لا بالحرب ، فنحن دعاة السلم لا الحرب ، وأمّا الإسلام فقد جاء بالقتل والحرب والسيف والسنان والرماح وتسعير نار الحروب وإيجاد نزاعات دامية طاحنة تدور رحاها على قطع الرؤوس والأيدي والأرجل .
وللأسف سمع هذا شبابنا المسلم الفارغ من البناء العقائدي الصحيح ، فانخدع بزخرفة هذه الدعوة السلميّة ، فحاول أن يطبّقها على إسلامه ، ويصنع بذلک لإسلامه تبشيرآ كالتبشير المسيحي الأجوف ، فحرّف مفهوم الجهاد في الإسلام بما شاء له هواه ، فقال : لم يكن الجهاد في الإسلام إلّا دفاعآ عن وجوده فحسب ، ونفى بذلک المفهوم الصحيح للجهاد الإسلامي الشريف ، وفيما نرى الفقه الإسلامي العادل والرشيد يصرّح بتقسيم الحركة المسلّحة في الإسلام إلى قسمين  :
1 ـ دفاع عن الإسلام .
2 ـ وجهاد في سبيل نشر الإسلام في ربوع الأرض أينما كان .
إلّا أنّه عندما يدعو إلى الإسلام باعتبار أنّه الدين الذي ارتضاه الخالق لخلقه ، يدعوه أوّلا بالمنطق السليم والدلائل القاطعة ، إلّا أنّ من الناس من استحوذ عليه الشيطان فصار معاندآ ولجوجآ وركب رأسه ، فلا يرضخ للحقّ وأهله ، بل يدافع عن الباطل وأهله ، ولا بدّ للحقّ أن ينتصر ويزهق الباطل ، فأوّلا بالمنطق السليم فإن لم ينفع لعناد الخصم ولجاجته وضلاله وانحرافه ، فإنّه يزال عن المجتمع الإنساني لأنّه عامل فساد، فيحارب حينئذٍ، ولا بدّ من المناضلة والجهاد من أجل تثبيت العقائد الصحيحة والمبادئ القيّمة والمثل الإنسانية التي جاء بها الإسلام الحنيف ، وهذا من الصواب ، ويدلّ عليه العقل السليم والفطرة السليمة ، كما يدلّ عليه الأدلّة السمعيّة من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة .
وبعد أن فهمنا واقتنعنا بصحّة العقيدة الإسلامية المباركة وعدالتها، فمن مقتضى العدالة في هذه الدعوة الإلهيّة بصفتها تتكفّل مصالح البشر وفي خلافها خلاف مصالحهم أن تحاول نشر دعوتها الصادقة على أكبر قدر ممكن من بني الإنسان ، فإن أمكن أوّلا بالحكمة والموعظة الحسنة (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ ) ، وإلّا فبالجهاد الإسلامي العادل والشريف ، وإمّا أن ندّعي لنفسها الصحّة والأحقّية وضمان مصالح البشر والناس كافّة ، ومع ذلک نتقاعس ونقعد ونسكت ولا نحاول النشر الواعي ، فذلک ممّا يتنافى مع عدالتها ودعوتها، استجيبوا لله ولرسوله لما فيه حياتكم وسعادتكم . ومن يعتقد بصحّة دينه ولا يفكّر في نشره والجهاد من أجله ، فإنّه يكون ممّن استلزم بالمتناقضات ـوالجمع بين النقيضين محال ـ فكأنّما الإسلام يقول : إنّي وإن كنت صحيحآ وعادلا وشاملا للمصالح وضامنآ للسعادة البشرية ، وإنّ في خلافي خلاف مصالحهم ، ولكن أيّها العقائد الاُخرى والأديان الاُخرى والمبادئ الاُخرى أنتم أيضآ على الصحّة والسلامة والعدالة فانتشروا في الأرض جميعآ، فهل هذا إلّا من التناقض الصريح المنافي للعقل السليم ؟!
ولمثل هذا نقول دائمآ: إنّما الحياة عقيدة وجهاد، وهيهات منّا الذلّة ، والموت قاهرون خير من الحياة مقهورين .

النصر أو الشهادة
 
قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(وَأعِدُّوا لَهُمْ مَا آسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ) .
إنّ الله سبحانه يأمرنا في هذه الآية الكريمة من القرآن المجيد أن نُعدّ أنفسنا للجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ والدفاع عن حريم المقدّسات الإسلامية ما نستطيعه من القوى والأسلحة والعتاد والذخائر الحربيّة والدفاعيّة ، لنرهب بذلک عدوّ الله الذي هو في الواقع عدوّ الإنسانية أيضآ.
وبما أنّ من العتاد القديم الخيول المدرّبة على فنون الحرب والقتال ، لذلک خصّ الله تهيئة الخيول بالذكر، وإلّا ففي كلّ عصر ومصر له أسلحته الخاصّة ، وإنّ القرآن يتماشى مع الركب البشري من التمدّن والحضارة والتقدّم الصناعي والتكنولوجي .
وإنّ الإعداد بالعِدّة ـبالكسرـ والعُدّة ـبالضمّ ـ ممّا يقرّه العقل السليم والفطرة السليمة ، فالأمر به في القرآن الكريم واجب الاتباع ـعقلا ونقلاـ كوجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والخمس . ولكنّه من المؤسف جدّآ أنّ المسلمين إن كانوا قد أعاروا للأوامر العبادية شيئآ من الاهتمام بها، فإنّهم ـويا للأسف الشديدـ لم يهتمّوا لهذا الأمر الأكيد حتّى بمقدار اهتمامهم القليل بالاُمور العبادية . ولذلک تراهم اليوم قد أصبحوا فريسة كلّ واردٍ وشاردٍ وطامع وحاسد وباغت بالمكائد من الكفّار والمستعمرين والمستكبرين من الإمبريالية والشيوعية والماسونية والصهيونية العالمية ، فكلّ واحد يريد الوقيعة بالإسلام والمسلمين ، وإنّه يخطّط بكلّ ما اُوتي من قوّة لنهب الثروات واستثمار الشعوب واستعبادهم واسترقاقهم بطريقة حديثة ومعاصرة .
إذن ، وبعد أن عرفنا الداء والدواء والتفتنا اليوم إلى ما نحن فيه من الحالة المزرية المشينة المشجية المحزنة المبكية ، وبعد أن التفتنا إلى ما أمرنا به ربّنا الله سبحانه في هذه الآية الشريفة من كتابه الكريم ، يجب علينا نحن المسلمين أن نكون على وعي تامّ وشعور دائم ويقظة وانتباه مستمرّ في سبيل العمل والدعوة على طبق أوامر الله تعالى وتشريعاته الحكيمة ، لعلّنا نستطيع أن نتحوّل من أسوأ حالنا اليوم إلى أحسن حالٍ في فجر غده المشرق .
ونستعدّ لإقامة الحكومة الإسلامية في ربوع الأرض ، ولا نهاب أعداء الله بل نعدّ لهم العدّة والعُدّة من رجال أقوياء أبطال ومن أسلحة نرهب بها عدوّ الله وعدوّنا، ونستقبل الموت بأنفسنا وأرواحنا ولا نخاف منه ، وقع علينا أم وقعنا عليه ، وتتبلور فينا الحرّية والفوز بإحدى الحسنيين : إمّا النصر وإمّا الشهادة .
 ما هي وظائفنا الدينية ؟
 روى الشيخ الطبرسي في كتاب (الاحتجاج على أهل اللجاج )، عن الإمام العسكري  7 أنّه قال  :«... وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، الذين نظروا في حلالنا وحرامنا وعرفوا أحكامنا، فإنّي جعلتهم حجّة عليكم وأنا حجّة الله عليكم ، فالرادّ عليهم كالرادّ علينا، والرادّ علينا كالرادّ على الله، فهو في حدّ الشرک ».
وروى في التوقيع الشريف عن الناحية المقدّسة صاحب العصر والزمان أنّه قال  7 :«... وأمّا الحوادث الواقعة ... فانظروا من كان من الفقهاء مطيعآ لمولاه مخالفآ لهواه ... فعلى العوام أن يقلّدوه ».
يأمرنا إمامنا الحسن العسكري  7 وكذلک مولانا وإمامنا المنتظر صاحب العصر والزمان الحجّة بن الحسن العسكري عليه السلام وعجّل الله فرجه الشريف : أن نرجع في الحوادث الواقعة ، أي في مسائلنا العبادية وفي المعاملات والعاديات والسياسيات في زمن الغيبة الكبرى إلى من كان من فقهائنا عادلا، موثوقآ به ، ومطمئنآ إليه ، ومعتمدآ عليه ، بأن يكون مطيعآ لأوامر الله تعالى ومخالفآ لهوى نفسه ، وحافظآ لدينه ...
وقد عرّف الإمام العسكري  7 الفقيه بأنّه الذي نظر في أحكام الإسلام نظر اجتهاد واستنباط ، فعرف منها الحلال والحرام ، فليست المعرفة هنا المعرفة التقليدية . بل إنّما هي المعرفة الاستدلالية الاستنباطية عن أدلّتها الشرعيّة التفصيلية ، وهي كما عند المشهور أربعة : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل .
إذن ، وظيفتنا في زمن غيبة أئمّتنا ولا سيّما إمامنا ـوأنّه كالشمس وراء السحاب ننتظر طلوعه وظهوره المبارک ـ في أحكامنا الشرعيّة من العبادات والمعاملات ، أن نرجع فيها إلى فقهاء الإسلام وعلماء الدين العدول الثقات .
ودليلنا على هذه الوظيفة : حكم أئمتنا  :، ونخصّ بالذكر منهم هنا الإمامين الحسن العسكري والحجّة المنتظر  8.
هذا بالإضافة إلى الحكم العقلي القاطع بذلک : حيث أنّ العقل والعقلاء جميعآ يحكمون برجوع الجاهل في أيّ شيء إلى العالم به ، بشرط أن يكون هذا العالم موثوقآ به ، ومطمئنّآ إليه ، ومعتمدآ عليه .
هذا وقد ورد الأمر بذلک في القرآن الكريم أيضآ في قوله تعالى  :(فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .
وفي آية النفر وغيرها، فثبت المطلوب عقلا ونقلا.
ففي فروع الدين إمّا أن يكون المكلّف الملتفت مجتهدآ، بأن يستنبط الأحكام من أدلّتها التفصيلية بنفسه بعد دراسة طويلة وخبرة عميقة ، وإمّا أن يكون مقلّدآ لمجتهد وفقيه جامع للشرائط ، وإمّا أن يكون محتاطآ.
وتفصيل ذلک في الرسائل العملية والكتب الفقهيّة ، فراجع .
 
نظام الحكم والإدارة في الإسلام
 
قال الله تعالى  :(يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) .
وقال تعالى  :(إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .
لقد عرفنا في مباحثنا العقائدية ومفاهيمنا الإسلامية أنّ الإمام والولاية تكون في عهد النبيّ للنبيّ  9، ثمّ من بعده بتعيين من الله ووصاية منه  9 تكون للأئمة الأطهار  : من بعده ، وقد عددناهم في ما مضى اثنى عشر إمامآ، كلّهم من قريش ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ  7، وآخرهم المهدي من آل محمّد عليهم وعجّل الله فرجه الشريف .
وقد درسنا في البحث السابق من مفاهيمنا أنّهم  : أرجعونا في الحوادث الواقعة إلى رواة الأحاديث ، أي من الفقهاء العظام الجامعين للشرائط ، وهذا يعني ولاية الفقيه الجامع للشرائط ، فهو الحاكم ، وسيكون بيده زمام الاُمور وإدارة البلاد، وإجراء حكم الله في الأرض .
فولاية الفقيه إنّما هي رشحة من رشحات ولاية الله ورسوله والأئمة الأطهار  : .

ارسال الأسئلة