ارسال السریع للأسئلة
تحدیث: ١٤٤٥/٨/١٥ من نحن منشورات مقالات الصور صوتيات فيديو أسئلة أخبار التواصل معنا
العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
■ کلمتنا
■ نظريات صاحب الكفاية في علم الأصول-شیخ غالب الکعبي
■ شرح حدیث عنوان البصري(ع)- ٢-الاُستاذ سید عادل العلوي
■ مشروعیة الزیارة ونقد نظریة الوهابیة-شیخ حسن عجه الکندي
■ الإمامین العسكريین(ع)وتثبیت العقائد-شیخ محمد عیسی البحراني
■ الترابط بین القرآن وسیدة النساء(س)-شیخ طالب الخزاعي
■ ولاية العهد في حياة الإمام الرضا(ع)-السید محمد رضا الجلالي
■ طبقات العلماء عند أهل السنة والجماعة-ماهر الجراح
■ الحاكم وأعوانه في جلسه سریّة-المرحوم سید علي العلوي
■ طریق العرفان-الشیخ علي حسن الکعبي
■ أذكرك سیدي-یاسر الشجاعي
■ الأب الناصح - ٣-الحاج كمال علوان
■ الآثار الإيجابيّة للأماكن المقدّسة -فارس علي العامر
■ قصة عیسی بن مریم(ع)- ٢-مائدة عبد الحمید
■ إرتباط النهضة الحسینیة بالله سبحانه-الشیخ علي الشجاعي
■ الأصول التأريخية لتسمية المدن العراقية-میمون البراك
■ أحادیث النبي| في حق ولده الحسین-عبد الهادي چیوان
■ معاجز المعصومین(ع)-مفید حمیدیان
■ واحة السؤال والجواب-آیة الله السید عادل العلوي
■ واحة الصور - منابر من نور-السید محمد لاجوردي
  1. صوت الكاظمين _ العدد: 260 - 259. ربيع الأول و ربيع الثاني 1442 هـ
  2. صوت الكاظمين _ العدد: 258 - 257. محرم الحرام و صفر 1442 هـ
  3. صوت الكاظمين _ العدد: 256 - 255. ذي القعدة و ذي الحجة 1441 هـ
  4. صوت الكاظمين _ العدد: 254 - 253. رمضان الکريم وشوال 1441 هـ
  5. صوت الكاظمين _ العدد: 252 - 251. رجب المرجب و شعبان 1441 هـ
  6. صوت الكاظمين _ العدد: 250 - 249. جمادي الأولی و الثانية 1441 هـ
  7. صوت الكاظمين _ العدد: 248 - 247. ربيع الأول و ربيع الثاني 1441 هـ
  8. صوت الكاظمين _ العدد: 246 - 245. محرم الحرام و صفر 1441 هـ
  9. صوت الكاظمين _ العدد: 243 - 242. ذي القعدة وذي الحجة 1440 هـ
  10. صوت الكاظمين _ العدد: 242 - 241. رمضان الکريم وشوال 1440 هـ
  11. صوت الكاظمين _ العدد :239_240
  12. صوت الكاظمين _ العدد :237_238
  13. صوت الكاظمين _ العدد :235_236
  14. صوت الكاظمين _ العدد :233_234
  15. صوت الكاظمين _ العدد :231_232
  16. صوت الكاظمين _ العدد :53 _ 12 شوّال 1417 هجرية
  17. صوت الكاظمين _ العدد :43 _ 12 ذوالحجة 1416 هجرية
  18. صوت الكاظمين _ العدد :37 _ 12 جمادی الثانی 1416 ه.ق
  19. صوت الكاظمين _ العدد :الحادي عشر _ربيع الثاني 1414 ه
  20. صوت الكاظمين _ العدد :العاشر _ربيع الاول 1414 ه
  21. صوت الكاظمين _ العدد :التاسع _صفر 1414 ه
  22. صوت الكاظمين _ العدد :الثامن _محرم 1414 ه
  23. صوت الكاظمين _ العدد :السابع _ذوالحجة 1413 ه
  24. صوت الكاظمين _ العدد :السادس _ذوالقعدة 1413 ه
  25. صوت الكاظمين _ العدد :الخامس _شوال 1413 ه
  26. صوت الكاظمين _ العدد :الرابع _شهر الرمضان 1413 ه
  27. صوت الكاظمين _ العدد :الثالث _شعبان 1413 ه
  28. صوت الكاظمين _ العدد :الثاني _رجب 1413 ه
  29. صوت الكاظمين _ العدد :الاول _جمادي الثاني 1413 ه
  30. صحيفة صوت الکاظمين - العدد: 230-229. رمضان و شوال 1439 هـ
  31. صحيفة صوت الکاظمين - العدد: 228- 227. رجب المرجب و شعبان 1439 هـ
  32. صحيفة صوت الکاظمين - العدد: 226-225. جمادی الأولی والثانية 1439 هـ
  33. صحيفة صوت الکاظمين - العدد: 223-224 ربیع الأول والثاني 1439 هـ
  34. الكوثر العدد الرابع والعشرون - رجب 1432هـ
  35. الكوثر العدد الثالث والعشرون - رجب 1426
  36. الكوثر العدد العشرون محرّم 1425
  37. الكوثر العدد التاسع عشر رجب 1424
  38. الكوثر العدد الثامن عشر محرّم 1424
  39. الكوثر العدد السابع عشر رجب 1423
  40. الكوثر العدد السادس عشر محرّم 1423
  41. الكوثر العدد الخامس عشر رجب 1422
  42. الكوثر العدد الرابع عشر محرّم 1422
  43. الكوثر العدد الثالث عشر رجب 1421
  44. الكوثر العدد الثاني عشر محرم الحرام 1421
  45. صحیفة صوت الکاظمین 222-221 أشهر محرم الحرام و صفر 1439 هـ
  46. صحیفة صوت الکاظمین 219-220 أشهر ذي القعدة وذي الحجة 1438هـ . 2017م
  47. مجلة الکوثر - العدد السادس والثلاثون والسابع وثلاثون 36 - 37 - شهر رجب 1438هـ -2017م
  48. صحیفة صوت الکاظمین 216-218 أشهر رجب - شعبان - رمضان 1438هـ . نيسان / ايّار / حزيران 2017م
  49. مجلة الكوثر - العدد العاشر - محرم الحرام - سنة 1420 هـ
  50. مجلة الكوثر - العدد التاسع - رجب - سنة 1419 هـ
  51. مجلة الكوثر - العدد الثامن - محرم الحرام - سنة 1419 هـ
  52. مجلة الكوثر - العدد السابع - 20 جمادي الثاني - سنة 1418 هـ
  53. مجلة الكوثر - العدد السادس - محرم الحرام - سنة 1418 هـ
  54. مجلة الكوثر - العدد الخامس - 20 جمادي الثاني - سنة 1417 هـ
  55. مجلة الكوثر - العدد الرابع - محرم الحرام - سنة 1417 هـ
  56. مجلة الكوثر - العدد الثالث - 20 جمادي الثاني - سنة 1416 هـ
  57. مجلة الكوثر - العدد الثاني - محرم الحرام - سنة 1416 هـ
  58. مجلة الكوثر - العدد الاول - 20 جمادي الثاني يوم ولادة سيدة فاطمة الزهراء - سنة 1415 هـ
  59. مجلة عشاق اهل بیت 7
  60. مجلة عشاق اهل بیت 6
  61. مجلة عشاق اهل بیت 5
  62. مجلة عشاق اهل بیت 4
  63. مجلة عشاق اهل بیت 3
  64. مجلة عشاق اهل بیت 2
  65. مجلة عشاق اهل بیت 1
  66. صحیفة صوت الکاظمین 215-212 شهور ربیعین وجمادیین 1438هـ . دیسمبر / مارس2017م
  67. صحیفة صوت الکاظمین 210 -211 شهر محرم وصفر 1438هـ . أکتوبر/ نوفمبر 2016م
  68. صحیفة صوت الکاظمین 208 -209 شهر ذي القعدة وذي الحجة 1437هـ .أغسطس/سبتمبر 2016م
  69. مجلہ عشاق اہل بیت 14و 15 ۔ ربیع الثانی 1437 ھ
  70. مجلہ عشاق اہل بیت 12و 13 ۔ ربیع الثانی 1436 ھ
  71. صحیفة صوت الکاظمین 206 -207 شهر رمضان وشوال 1437هـ .نیسان/أیار2016م
  72. مجلة الکوثر الرابع والثلاثون والخامس وثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م
  73. صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ .نیسان/ أیار 2016م
  74. صحیفة صوت الکاظمین 203-202 شهر جمادي الاول والثاني 1437هـ .فبرایر/مارس 2016م
  75. مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م
  76. صحیفة صوت الکاظمین 201-200 شهر ربیع الاول والثاني 1437هـ .دیسمبر/کانون الاول 2015م
  77. صحیفة صوت الکاظمین 198-199 شهر محرم الحرام وصفر 1436هـ .اکتبر/نوفمبر 2015م
  78. صحیفة صوت الکاظمین 196-197 شهر ذي القعدة وذي الحجة 1436هـ . اغسطس/سبتمبر 2015م
  79. صحیفة صوت الکاظمین 194-195 شهر رمضان وشوال 1436هـ . حزیران/تموز 2015م
  80. صحیفة صوت الکاظمین 193 شهر شعبان 1436هـ . مایو/آیار 2015م
  81. صحیفة صوت الکاظمین 192 شهر رجب المرجب 1436هـ . ابریل /نیسان 2015م
  82. مجلة الکوثر الثاني والثلاثون - شهر رجب المرجب 1436هـ -2015م
  83. مجلة الکوثر الواحد والثلاثون - شهر محرم الحرام 1436هـ -2014م
  84. صحیفة صوت الکاظمین 190 -191 شهر جمادي الاول والثاني 1436هـ. فبرایر/شباط 2015مـ.
  85. صحیفة صوت الکاظمین 189 شهر ربیع الثاني 1436هـ. ینایر/کانون الثاني2014مـ.
  86. صحیفة صوت الکاظمین 188 شهر ربیع الاول 1436هـ. کانون الاول/ کانون الثاني 2014مـ.
  87. صحیفة صوت الکاظمین 187 شهر صفر المظفر 1436هـ. دیسمبر/ کانون الاول 2014مـ.
  88. صحیفة صوت الکاظمین 186 شهر محرم الحرام 1436هـ. اکتوبر/ تشرین الاول 2014مـ.
  89. صحیفة صوت الکاظمین 185 شهر ذي الحجة 1435هـ. سبتمبر/ أیلول 2014مـ.
  90. صحیفة صوت الکاظمین 184 شهر ذي القعدة 1435هـ. اغسطس/ اب 2014مـ.
  91. صحیفة صوت الکاظمین 183 شهر شوال المکرم 1435هـ. یولیو/تموز 2014مـ.
  92. صحیفة صوت الکاظمین 182 شهر رمضان 1435هـ. یونیو/حزیران 2014مـ.
  93. مجلة الکوثر الثلاثون - شهر رجب المرجب 1435هـ -2014م
  94. صحیفة صوت الکاظمین 181 شهر شعبان المعظم 1435هـ. یونیو/حزیران 2014مـ.
  95. صحیفة صوت الکاظمین 180 شهر رجب المرجب 1435هـ. مایو/أیار 2014مـ.
  96. صحیفة صوت الکاظمین 179 شهر جمادي الثاني 1435هـ. ابریل/نیسان 2014مـ.
  97. صحیفة صوت الکاظمین 178 شهر جمادي الأول 1435هـ. مارس/آذار 2014مـ.
  98. صحیفة صوت الکاظمین 177 شهر ربیع الثاني 1435هـ.فبرایر/شباط2014مـ.
  99. صحیفة صوت الکاظمین 176 شهر ربیع الأول 1435هـ. ینایر/کانون الثاني2014مـ.
  100. صحیفة صوت الکاظمین 175 شهرصفر 1435هـ. دیسمبر/کانون2013مـ.
  101. مجلة عشاق اهل بیت 11
  102. مجلة الکوثر التاسع والعشرون -شهر محرم الحرام 1435ه -2013م
  103. صحیفة صوت الکاظمین 174 شهر محرم الحرام1435
  104. صحیفة صوت الکاظمین 173 شهر ذي الحجة 1434
  105. صحیفة صوت الکاظمین 172 شهر ذي القعده
  106. مجلة عشاق اهل بیت شماره 10شوال 1434هـ
  107. صحیفة صوت الکاظمین 171 شهر شوال
  108. مجلة عشاق اهل بیت 8 - شوال 1333هـ
  109. مجلة عشاق اهل بیت 9 - ربیع الثانی 1334
  110. مجله الکوثر 28-رجب المرجب1434 هـ 2012 م
  111. مجله الکوثر 27-محرم الحرام1434 هـ 2012 م
  112. صوت الكاظمین-العدد 170-رمضان 1434 هـ -یولیو/تموز2013 م .
  113. مجلة صوت الکاظمین العدد166
  114. صوت الكاظمین-العدد 169-شعبان المعظم 1434 هـ - یونیو 2012 م .
  115. صوت الكاظمین-العدد 168-رجب المرجب 1434 هـ - مایو 2012 م .
  116. صوت الكاظمین-العدد 167 -جمادی الثانی 1434 هـ - أبریل 2013 م .
  117. صوت الكاظمین-العدد 165-ربیع الثانی 1434 هـ - فیرایر 2012 م .
  118. صوت الكاظمین-العدد 164-ربيع الاول 1434 هـ - يناير 2013 م .
  119. صوت الكاظمین-العدد 149-ذی الحجة 1432هـ - أکتوبر 2011 م .
  120. صوت الكاظمین-العدد 150-محرم الحرام 1433 هـ - نوفمبر 2011 م .
  121. صوت الكاظمین-العدد 151-صفر المظفر 1433 هـ - ینایر 2012 م .
  122. صوت الكاظمین-العدد 152-ربع الأول الخیر 1433 هـ - فبرایر 2012 م .
  123. صوت الكاظمین-العدد 153-ربیع الثانی1433 هـ - مارس 2012 م .
  124. صوت الكاظمین-العدد 154-جمادی الأولی 1433هـ - مایو 2012 م .
  125. صوت الكاظمین-العدد 155-جمادی الثانی 1433 هـ - یونیو 2012 م .
  126. صوت الكاظمین-العدد 157-شعبان المعظم 1433 هـ - اغسطس 2012 م .
  127. صوت الكاظمین-العدد 156-رجب المجرب 1433 هـ - یولیو 2012 م .
  128. صوت الكاظمین-العدد 158-رمضان الکریم 1433هـ - اغسطس 2012 م .
  129. صوت الكاظمین-العدد 159-شوال 1433هـ - سبتمبر 2012 م .
  130. صوت الكاظمین-العدد 160-ذی القعدیة 1433 هـ - سبتمبر 2012 م .
  131. صوت الكاظمین-العدد 161-ذی الحجة 1433 هـ - آکتوبر 2012 م .
  132. صوت الكاظمین-العدد 162-محرم الحرام 1434 هـ - نوفمبر 2012 م .
  133. صوت الكاظمین-العدد 164-صفر الخیر 1434 هـ - دیسمبر2012 م .
  134. صوت الكاظمین-العدد 163-صفر الخیر 1434 هـ - دیسمبر2012 م .
  135. مجله الکوثر 26-العدد السادس والعشرون رجب المرجب 1433هـ 2012م
  136. مجلة الکوثر 25

الترابط بین القرآن وسیدة النساء(س)-شیخ طالب الخزاعي

القرآن الكريم هو كتاب هداية وإصلاح وتغيير للإنسان وللمجتمع الإنساني، أُنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد|، ليغيّر ذهنية الإنسان إلى ذهنية إسلامية، وسلوكه إلى سلوك إسلامي، ويقيم مجتمعاً يتبنى الإسلام منهجاً له في الحياة لجميع مجالاتها ومحاورها، وليقيم به دولة تسعى إلى تجسيد مفاهيمه وقيّمه في الواقع، بممارسات ميدانية تكون حاكمة على أجهزة الدولة والمجتمع معاً، متوجه إلى توحيد الله تعالى في التشريع وسنن القوانين.
ومنهج القرآن الكريم منهج عمل وحركة في مكونات الضمير وفي عالم الواقع، ولذا فهو بحاجة إلى قدوة تجسده في فكرها وعاطفتها وسلوكها؛ لتقْتَدِ بها الأُمّة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.
وقد تمثلت القدوة برسول الله| وقد أدّى مسؤوليته ببناء المجتمع والدولة الإسلامية واستطاع أنّ يغيّر أشدّ النّاس جاهلية، ويوجههم نحو التكامل والسمو.
وبما أنّ القرآن حي وخالد فلابدّ أن يستمر في الهداية والإصلاح والتغيير بعد رحيل رسول الله| إلى الرفيق الأعلى، فهذا يستلزم وجود قدوة معصومة، فكان أهل البيت^ هم التجسيد الواقعي للقدوة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه القدوة، وأشار رسول الله| إليها بأحاديث صريحة وواضحة، فجعلها عدلاً للقرآن، وهي الثقل الثاني بعد القرآن، وأنّهما لن يفترقا حتى يردا الحوض.
قال رسول الله|: (يا أيها النّاس، إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي) (1).
وفي رواية: (إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله... وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) (2).
وفي رواية: (إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (3).
ويعتبر حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة والتي لا نقاش في سندها.
قال السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره): (وهذا الحديث يكاد يكون متواتراً، بل هو متواتر فعلاً، إذا لوحظ مجموع رواته من الشيعة والسنّة في مختلف الطبقات...).
وحسب الحديث لأن يكون موضع إعتماد الباحثين أن يكون من رواته كلّ من: صحيح مسلم، وسنن الدارمي، وخصائص النسائي، وسنن أبي داود، وابن ماجة، ومسند أحمد، ومستدرك الحاكم، وذخائر الطبري، وحلبة الأولياء، وكنز العمّال وغيرهم، وأن تعنى بروايته كتب المفسّرين أمثال: الرازي، والثعلبي، والنيسابوري، والخازن، وابن كثير وغيرهم، بالإضافة إلى الكثير من كتب التاريخ، واللغة، والسِّير، والتراجم) (4).
وقال إبن حجر في (الصواعق): (ثم اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً، ومرّ له طرق مبسوطة، وفي بعض تلك الطرق أنّه [|] قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة، وفي أُخرى أنّه قال بالمدينة في مرضه وقد إمتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أُخرى أنّه قال ذلك بغدير خمّ، وفي أُخرى أنّه قال ذلك لمّا قام خطيباً بعد إنصرافه من الطائف)، ثمّ قال: (ولا تنافي إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها، إهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة)(5).
ويستفاد من دلالة الحديث الشريف عدّة أُمور، منها:
أوّلاً: عصمة أهل البيت^؛ لأنّ النبي| قرنهم بالكتاب العزيز، الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، فكذلك أهل البيت^ منزهون من كلّ باطل.
وصرّح النبي|  بعدم إفتراق العترة الطاهرة عن القرآن الكريم في أي وقت من الأوقات، وهذا كاشف عن عصمتهم؛ لأنّهم لو خالفوا الكتاب في مورد من الموارد لأدّى إلى افتراقهم عن الكتاب العزيز، وكذلك أمر النبي| بإتباع العترة الطاهرة كإتباع القرآن الكريم، وحاشاه أن يأمر بإتباع المخالفين للقرآن الكريم ولو في مورد من الموارد.
ثانياً: المرجعية العلمية لأهل البيت^؛ لأنّ النبي| جعل التمسّك بالقرآن، وبأهل البيت^ مانعاً من الضلالة والإنحراف، وبما أنّ التمسّك بالقرآن يعني الأخذ بتعاليمه وجعله المرجع في كلّ مجالات الحياة، فكذلك التمسّك بأهل البيت^ يعني إتخاذهم المرجع في كلّ مجالات الحياة سواء في معرفة القرآن الكريم، أو معرفة المفاهيم والقيّم الدينية، أو معرفة العقيدة والشريعة، أو معرفة التكاليف والوظائف في جميع جوانب الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. وما هذا إلاّ إشارة واضحة على مرجعيتهم العلمية.
ثالثاً: وجود الإمام المهدي#، وأنّه حي؛ لأنّ النبي أشار في الحديث إلى عدم إفتراق العترة الطاهرة عن القرآن الكريم، فإذا كان القرآن موجوداً لابدّ من وجود واحد من العترة الطاهرة وإلاّ لحصل الإفتراق وبالتالي يؤدي إلى كذب النبي| وحاشاه (صلوات الله عليه). وهذا ما يؤيد صحّة الإعتقاد عند الإمامية الاثنى عشرية بوجود المهدي من آل محمد^.
قال إبن حجر في (الصواعق): (وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم إنقطاع متأهل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك) (6).
فكما أنّ الكتاب موجود إلى يوم القيامة؛ كذلك لابدّ من وجود متأهل وإمام من أهل البيت^ إلى يوم القيامة يكون عِدْلاً للقرآن الكريم.
وفي هذا البحث نسلّط الأضواء على العلاقة بين القرآن الكريم، وأهل البيت^، وبالأخصّ السيدة الزهراء’، من خلال عدّة محاور:
الأوّل: القرآن الكريم عند أهل البيت^.
الثاني: أهل البيت^ في القرآن الكريم.
الثالث: القرآن الكريم في سيرة الزهراء^.
الأوّل: القرآن الكريم عند أهل البيت^
أهل البيت^ هم الأدلاّء على القرآن، والعالمون بفضله ومنزلته وسمو قدره، والعارفون بمفاهيمه وقيّمه وأحكامه وخصائصه وأسراره، وهم قرناؤه في الفضل وشركاؤه في الهداية؛ لأنّهم القرآن الناطق المتحرك في الواقع الإنساني.
قال الإمام أمير المؤمنين×: (إنّ الله طهّرنا وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته على من في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا)(7).
وقد أوضح هذه الحقيقة، نبينا المصطفى|، حيث قال: (إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) (8).
فمن الواجب أنّ نقتصر على أقوالهم، ونستضيء بإرشاداتهم، لنعرف فضل القرآن ومقامه وحقيقته.
رُوي عن الحارث الهمداني أنّه قال: (دخلت المسجد فإذا أُناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي×، فقلت: ألاّ ترى أنّ أناساً يخوضون في الأحاديث في المسجد، فقال×: (قد فعلوها!
قلت: نعم، قال: أما أنّي قد سمعت رسول الله|، يقول: ستكون فتن.
فقلت: وما المخرج منها؟
قال×: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن إبتغى الهدى في غيره أضلّه الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذکر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته أن قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً)، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم...) (9).
ولمعرفة الرابطة بين أهل البيت^ والقرآن الكريم، نعرفها من خلال شدّة إهتمامهم به، وكيفية توجيه أنظار وعقول وقلوب الأمة الإسلامية له، فتشاهدهم يحاولون ربط الأمّة بالقرآن في كلّ مناسبة، وفي كلّ موقع يرونه مناسباً للتوجيه.
وكانت إرشاداتهم وتوجيهاتهم تؤكد على الإرتباط بالقرآن والإندكاك به إبتداءً بقراءته وتلاوته، وهي أيسر وأسهل مظاهر وألوان الإرتباط، كلّ حسب طاقته وقدرته وظروفه وأحواله إبتداءً بالإستماع إلى حرفٍ منه، وإنتهاءً بختمه.
قال الإمام زين العابدين×: (من إستمع إلى حرفٍ من كتاب الله (عزّ وجلّ) من غير قراءة، كتب الله له حسنة، ومحا عنه سيئة، ورفع له درجة. ومن قرأ نظراً من غير صوت كتب الله له بكلّ حرف حسنة، ومحا عنه سيئة، ورفع له درجة. ومن تعلّم منه حرفاً ظاهراً كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات.
قال×: لا أقول بكل آية، ولكن بكلّ حرف باء أو تاء أو شبههما، قال×: ومن قرأ حرفاً وهو جالس في صلاته، كتب الله له به خمسين حسنة، ومحا عنه خمسين سيئة ورفع له خمسين درجة. ومن قرأ حرفاً وهو قائم في صلاته كتب الله له بكلّ حرف مائة حسنة ومحا عنه مائة سيئة، ورفع له مائة درجة. ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخرة، أو معجلة، قال: قلت: جعلت فداك ختمه كلّه؟ قال×: ختمه كلّه)(10).
عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله×، قال: (قلت له: جعلت فداك إنّي أحفظ القرآن على ظهر، قلبي فاقرأه على ظهر قلبي أفضل، أو انظر في المصحف؟ فقال× لي: بل اقرأه وإنظر في المصحف فهو أفضل، أما علمت أنّ النظر في المصحف عبادة)(11).
وأيضاً عن أبي عبد الله الصادق×، قال: (مَنْ قرأ في المصحف مُتّع ببصره وخُفّف عن والديه وإن كانا كافرين) (12).
وفي بعض الأحيان نشاهد كيف تفاعل أهل البيت^ مع آيات كتاب الله، وكيف يقرؤونها؛ ليظهر لنا شدّة إرتباطهم بالقرآن الكريم، ومدى تفاعلهم معه.
فعن أبي ذر (رضوان الله عليه)، أنّه قال: (إنّ النبي| قام بآية يرددها حتى أصبح (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ)(13)،(14).
وعن الزهري، قال: (كان علي بن الحسين× إذا قرأ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّين)(15) يكررها حتى كاد أن يموت) (16).
فكان القرآن مهيمناً على جوارحهم وجوانحهم، وكانت قوته وسطوته العظيمة واضحةً عليهم عند قراءتهم له، فنلاحظ مدى تأثرهم بالقرآن الكريم عند تلاوته.
روي عن الإمام الصادق×: (أنّه كان يصلي في بعض الأيام، فخر مغشياً عليه أثناء الصلاة، فسُئل عن ذلك فقال×: ما زلت أردّد هذه الآية حتى سَمِعتُها من قائلها)(17).
فالقرآن الكريم كان الأنيس والمؤنس لهم^ في جميع حالاتهم سواء كانوا في سرّاء أو ضرّاء، فقد روي عن إمامنا السجاد×: (لو مات من بين المشرق والمغرب، لما إستوحشت، بعد أن يكون القرآن معي) (18).
وكانوا يستشهدون بآياته الكريمة في أحاديثهم وحوارتهم، وفي خطاباتهم الداعية للإصلاح وتغيير الواقع، بل كانوا يمثّلون اللسان الناطق بالقرآن الكريم، ويستنبطون منه الأحكام الشرعية، ويستدلون به في كلِّ جوانب الحياة، ولا عجب بذلك بعد أن كانوا عدل القرآن وقد نزل في بيوتهم الطاهرة.
قال أمير المؤمنين×: (سلوني عن كتاب الله (عزّ وجلّ) ما نزلت آية منهن في ليل، أو نهار، ولا مسير، ولا مقام إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله|، وعلّمني تأويلها).
فقال إبن الكوّا: يا أمير المؤمنين، فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟
قال: (كان يحفظ على رسول الله| ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا عنه غائب حتى أقدم عليه فيقرأنيه ويقول لي: يا علي، أنزل الله عليّ بعدك كذا، وكذا، وتأويله كذا، وكذا، فيعلّمني تأويله وتنزيله)(19).
والشواهد العملية على إستدلالهم بالقرآن الكريم ـ في ما يمرّ بالأمّة الإسلامية من مسائل وقضايا يخطأ البعض في تشخيص الحكم الصحيح الموافق للشريعة الإسلامية والرسالة المحمدية السمحاء ـ كثيرة.
وأحياناً يعجز الجميع عن معرفة الحكم في تلك الواقعة إلاّ هم (صلوات الله عليهم) من خلال الإستعانة بالقرآن الكريم في بيان التكليف الصحيح والتشخيص الدقيق لتلك الواقعة أو المسألة التي وقع السؤال حولها، ومنها:
(روى السيوطي في (الدر المنثور)، والشيخ المفيد في (الإرشاد) بإسناده عن الحسن: (أنّ عمر أُتي بامرأةٍ قد ولدت لستة أشهر فهمَّ برجمها، فقال له أمير المؤمنين×: (إنْ خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إنّ الله (عزّ اسمه) يقول: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً)(20) ويقول تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (21) فإذا تمّمت المرأة الرضاعة سنتين، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً، كان الحمل منها ستة أشهر) فخلّى عمر سبيل المرأة، وثبت الحكم بذلك، يعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه إلى يومنا هذا) (22).
وأيضاً عن الشيخ المفيد في (الإرشاد) بإسناده، قال: (حجّ هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام متكئاً على يد سالم مولاه، ومحمد بن علي بن الحسين^ جالسٌ في المسجد، فقال له سالم مولاه: يا أمير المؤمنين، هذا محمد بن علي، قال هشام: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم، قال: إذهب إليه فقل له يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل النّاس ويشربون إلى أن يُفصل بينهم يوم القيامة؟
قال له أبو جعفر×: (يُحشرُ النّاس على مثل قُرص النَّقي(23)، فيها أنهار متفجّرة، يأكلون ويشربون حتى يُفرغ من الحساب). قال: فرأى هشام أنّه قد ظفر به، فقال: الله أكبر، إذهب إليه فقُلْ له: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذٍ؟!
فقال له أبو جعفر×: (هم في النّار أشغل ولم يشغلوا عن أن قالوا: (أفيضوا علنيا من الماء أو ممّا رزقكم الله)(24).
فسكت هشام لا يرجع كلاماً)(25).
وروى الكليني في (الكافي) بإسناده عن علي بن يقطين، قال: سأل المهدي ـ العباسي ـ أبا الحسن× عن الخمر هل هي محرّمة في كتاب الله عزّ وجلّ؟ فإنّ النّاس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها.
فقال له أبو الحسن×: بل هي محرّمة في كتاب الله (عزّ وجلّ) يا أمير المؤمنين.
فقال له: في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب الله عزّ وجلّ يا أبا الحسن؟ فقال: قول الله (عزّ وجلّ): (قل إنّما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ)(26).
فأمّا قوله: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني الزنا المُعلَن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية.
وأمّا قوله (عزّ وجلّ): (وَمَا بَطَنَ)يعني ما نكح الآباء؛ لأنّ النّاس كانوا قبل أن يبعث النبي| إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها إبنه من بعده إذا لم تكن أمّه، فحرّم الله (عزّ وجلّ) ذلك.
وأما (الإثم)، فإنّها الخمرة بعينها، وقد قال الله (تبارك وتعالى) في موضع آخر: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس)(27) فأمّا الإثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر إثمها كبير كما قال الله (عزّ وجلّ)، قال: فقال: المهدي: يا علي بن يقطين، هذه والله فتوى هاشمية.
قال: فقلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت.
قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي)(28).
الثاني: أهل البيت^ في القرآن الكريم
إنّ منزلة أهل البيت^ تعدُّ من الأُمور البيّنة والقضايا الواضحة في القرآن الكريم، كما أنّ المقامات الرفيعة والدرجات العالية لأهل البيت^ عند الله مما لا يخفى على أهل البصيرة.
والعلاقة القريبة والوطيدة بين الله (عزّ وجلّ) وأهل البيت^ ترجمانها ومبيّنها هو القرآن العزيز، الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى.
فنشاهد أنّ القرآن يرصد حركات أهل البيت^، فما أن يتصرفوا تصرفاً، أو يفعلوا فعلاً، أو يقولوا قولاً، أو يتخذوا موقفاً إلاّ ونجد القرآن يكشف عن هذه المواقف ويصرّح بها ـ الموقف بالموقف والساعة بالساعة واللحظة باللحظة ـ وهذا كاشف عن مدى الترابط الوثيق والتفاعل العميق بين القرآن وأهل البيت^؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدلُّ على الآخر.
فهذا القرآن يزهر بآيات الثناء عليهم ويتلألأ بذكر فضائلهم وخصائصهم، ويمدحهم بآياته الكريمة تمجيداً لمواقفهم وإكباراً لاندفاعهم دون العقيدة. الحقة وهذه بعض الأمثلة نذكرها كالآتي:
أوّلاً: قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(29) أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن حكيم بن سعيد، قال: (ذكرنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عند أم سلمة، قالت: فيه نزلت: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(30).
قالت أم سلمة: جاء رسول الله| إلى بيتي فقال: لا تأذني لأحدٍ، فجاءت فاطمة فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن فلم أستطع أنْ أمنعه أنْ يدخل على جدّه وأمه، وجاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه، ثمّ جاء عليّ فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبي| على بساط، فجلّلهم رسول الله| بكساء كان عليه، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فنزلت هذه الآية حين إجتمعوا على البساط.
فقلت: يا رسول الله، وأنا؟
قالت: فوالله ما أنعم، وقال: إنّك على خير(31).
وقد ذكر العلاّمة السيد عبد الحسين شرف الدین& هنا تنبيهين:
أحدهما: إنّ الآية دلّت على عصمة الخمسة، فأفادت أنّ إرادة الله تعالى في أمرهم مقصورة على إذهاب الذنوب عنهم، وتطهيرهم منها، وهذا كنه العصمة وحقيقتها.
ثانيهما: إنّها دلّت بالإلتزام على إمامة أمير المؤمنين×؛ لأنّه إدعى الخلافة لنفسه، وإدعاها له الحسنان وفاطمة، ولا يكونون كاذبين؛ لأنّ الكذب من الرجس الذي أذهبه الله عنهم وطهرهم تطهيراً(32).
ولأهمية هذه الآية وكشفها عن عصمة أهل البيت^ ـ التي من ضمنهم السيدة الزهراء’ ـ كان يستدلّ بها أمير المؤمنين× في إثبات حقوقها عندما إستولى عليها القوم، وذلك في إحتجاجه على زعيم القوم آنذاك، حيث قال: (أخبرني عن قول الله (عزّ وجلّ): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(33) أفينا نزلت أو في غيرنا نزلت؟ قال: فيكم.
قال الإمام×: فأخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهدا على فاطمة’ بفاحشة ما كنت صانعاً؟ قال: كنت أقيم عليها الحدّ كما أقيم على نساء المسلمين!
قال الإمام×: كنت إذن عند الله من الكافرين، قال: ولِمَ؟ قال: لأنّك رددت شهادة الله وتقبل شهادة غيره؛ لأنّ الله (عزّ وجلّ) قد شَهِدَ لها بالطهارة، فإذا رددت شهادتها، وقبلت شهادة غيرها كنت عند الله من الكافرين.
قال: (فبكى القوم وتفرقوا ودمدموا)(34).
فالآية تعتبر من أهم فضائلها’، التي تثبت عصمتها، وأنّها من الذين طهّرهم الله تطهيراً.
الثانية: قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(35).
قال فخر الدين الرازي في تفسيره: (روي أنّه× لمّا أورد الدلائل على نصارى نجران، ثمّ أنّهم أصرّوا على جهلهم)، فقال×: (إنّ الله أمرني إن لم تقبلوا الحجّة أن أُباهلكم) فقالوا: يا أبا القاسم، نرجع فننظر في أمرنا ثمّ نأتيك.
فلما رجعوا قالوا للعاقب: ـ وكان ذا ـ رأي يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله، لقد عرفتم، يا معشر النصارى إنّ محمداً نبيٌّ مرسلٌ والله ما بأهل قومٌ نبياً قطٌّ فعاش كبيرهم، ولا نَبتَ صغيرهم ولئن فعلتم كان الإستئصال.
وكان رسول الله| خرج وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد إحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي رضي الله عنه خلفهما، وهو يقول: إذا دعوت فأمنوا.
فقال: أسقف نجران: يا معشر النصارى، إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أنْ يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها! فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيٌ إلى يوم القيامة... )(36).
قد دلّت آية المباهلة على أنّ المراد بالأنفس هو علي بن أبي طالب×، والمراد بالنساء سيدة نساء العالمين الزهراء|، وبالأبناء الحسن والحسين×.
وقد كشفت هذه الواقعة العظيمة والحادثة المهمّة على رفعة مقام أهل البيت^، وأنّهم الصفوة التي لا نظير لها، والنخبة التي تمثّل الإسلام والمسلمين، ولو وجد النبي| مَنْ يدانیهم في الفضل، أو من يساويهم في المقام، أو من هو أفضل منهم لقدمه عليهم، إذ لو لم يفعل لكان ترجيح بلا مرجح.
قال العلاّمة السيد عبد الحسين شرف الدين (رضوان الله عليه): (وأنت تعلم أنّ مباهلته| بهم، والتماسه منهم التأمين على دعائه بمجرده فضلٌ عظيم.
وإنتخابه إياهم لهذه المهمّة العظيمة وإختصاصهم بهذا الشأن الكبير وإيثارهم فيه على من سواهم من أهل السوابق فضل على فضل لم يسبقهم إليه سابق، ولم يلحقهم فيه لاحق، ونزول القرآن العزيز آمراً بالمباهلة بهم بالخصوص فضل ثالث يزيد فضل المباهلة ظهوراً ويضيف إلى شرف إختصاصهم بها شرفاً وإلى نوره نوراً)(37).
ومن الإشارات المهمّة في هذه الآية الكريمة التي تكشف لنا علو مقام الزهراء’ حيث كانت الزهراء| مكتنفة بالأنفس والأبناء ومحاطة بهم، وبين التوافق القرآني حيث كانت (نساءنا) في الوسط بين كلمة (أبناءنا) وكلمة (أنفسنا)، فهذا يكشف عن عظيم الإعتناء بشخصها ومكانتها عند هذه الأنفس الطاهرة.
وقريب من هذا المعنى ما أشار إليه العلاّمة محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، حيث قال: (فانظر بنور بصيرتك ـ أيّدك الله بهدايتها ـ إلى مدلول الآية هذه ـ آية المباهلة ـ وترتيب مراتب عبارتها وكيفية إشاراتها إلى علوِّ مقامها’ في منازل الشرف وسموِّ درجتها، وقد بيّن ذلك| وجعلها بينه، وبين علي× تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها، فإنّ الله (عزّ وجلّ) جعلها مكتنفة من بين يديها ومن خلفها؛ ليظهر بذلك الإعتناء بمكانتها)(38).
الثالثة: قوله تعالى: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(39).
أخرج الثعلبي بإسناده عن إبن عباس، قال: (لمّا نزلت: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال|: عليٌ وفاطمة وإبناهما)(41).
قال الفخر الرازي في تفسيره: (فقد روى صاحب (الكشاف) أنّه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله، مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال|: وعلي وفاطمة وإبناهما)، فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبي| وإذا ثبت هذا وجب أنْ يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم، ويدلُّ عليه وجوهٌ:
الأوّل: قوله تعالى: (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(42).
الثاني: لا شك أنّ النبي| كان يحبُّ فاطمة’.
 قال|: (فاطمة بضعةٌ مني يؤذيني ما يؤذيها) وثبت بالنقل المتواتر عن النبيّ محمد| أنّه كان يحبُّ علياً والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كلِّ الأمة مثله؛ لقوله: (واتبعوه لعلكم تهتدون)(43) ولقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِه)(44)، ولقوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ)(45)، ولقوله سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(46).
الثالث: إنّ الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد وأرحم محمداً وآل محمد، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل، فكلّ ذلك يدلُّ على أنّ حبّ آل محمد واجب، وقال الشافعي:
يا راكباً قفٍ بالمحصّبِ من منى
واهتفْ بساكن خيفها والناهضِ
سَحَراً إذا فاض الحجج إلى منى
فيضاً كما نظمُ الفراتُ الفائضِ
إن كان رفضاً حبّ آل محمدٍ
فليشهد الثقلان أنّي رافضي)(47)
وجّهت الآية الكريمة القلوب والعواطف والمشاعر والأحاسيس نحو أهل البيت^، وأكّدت على أنّ أجرَ الرسالة المحمدية السمحاء هو مودتهم ومحبتهم الحقيقية، فأراد الله (سبحانه وتعالى) ربط الأمة والمجتمع بأهل البيت^ من خلال أقوى الروابط والعلائق ألا وهي المودّة، التي حقيقتها المحبّة والاحترام والانقياد والاتباع؛ قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ )(48).
فالمحبة الصادقة والمودة الحقيقية تثمر الانقياد والاتباع والطاعة والنصرة لمن عقد القلب على مودته ومحبته.
فآية المودة من نتائجها مرجعية أهل البيت^ المطلقة، والرجوع إليهم في جميع مرافق الحياة السياسية والإجتماعية والعلمية وغير ذلك من شؤون الحياة.
الرابعة: قوله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً)(49).
أخرج الزمخشري بإسناده عن إبن عباس (رضي الله عنه): (إنّ الحسن والحسين مَرِضا، فعادهما رسول الله| في ناسٍ معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك! فنذر عليٌّ، وفاطمة، وفضة جارية لهما إنْ برئاً ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيام.
فشفيا وما معهم شيءٌ فاستقرض عليٌّ من شمعون اليهودي ثلاث أصوعٍ من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد مسكينٌ من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فأثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيمٌ، فأثروه، ووقف أسيرٌ في الثالثة ففعلوا مثل ذلك فلمّا أصبحوا أخذ عليٌّ رضي الله عنه بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله| فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم! وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبريلٌ وقال: خذها يا محمد، هنّاك الله في أهل بيتك، فاقرأه السورة)(50).
القرآن الكريم شهد لأهل البيت^ بأنهم من الأبرار الذين يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً، وممّن يوفون بالنذر، ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً، وممّن يطعمون الطعام على حبه، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصته، وأنّهم إنّما يطعمون لوجه الله لا يريدون منهم جزاءً ولا شكورا، وأنّهم ممن صبروا في ذات الله وأنّهم ممّن وقاهم الله شرّ ذلك اليوم العبوس القمطرير ولقّاهم نضرةً وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً.
ومن الجدير بالإنتباه، هو أنّ الله (سبحانه وتعالى) حينما يذكر نعيم الجنّة، يتطرق إلى نساء الجنّة من الحور العين ويتعرض إلى ذكر بعض صفاتهن، كي يتشوق المؤمنون إلى ما أعدّه الله لهم من النعم العظيمة. ولكن في هذه السورة العظيمة ـ سورة الإنسان ـ لم يتعرض إلى ذكر الحور العين رغم إشاراته الكثيرة إلى وصف نِعَمِ الجنّة، وتعرّضه إلى ذكر الولدان المخلدين وما يمتازون به من أوصاف جميلة ورائعة، فما هو السر في ذلك؟
والجواب على هذا السؤال المهمّ، هو رعاية لحرمة قرّة عين الرسول| وهي فاطمة الزهراء البتول’.
 وهذا ما أشار إليه العلاّمة الآلوسي في تفسيره (روح المعاني)، حيث قال:
(ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنّه (سبحانه) لم يذكر فيها الحور العين، وإنّما صرّح (عزّ وجلّ) بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرَّة عين الرسول)(51).
الثالث: القرآن الكريم في سيرة الزهراء
إنّ لشخصية الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء’ معالم سامية؛ لأنّها حظيت برعاية ربّانية خاصة من بين نساء العالمين، من هنا كانت ولا زالت وسوف تبقى سيّدتهن.
فهي’ صاحبة الشأن العظيم، والمكانة العليا عند ربِّ العزة والجلالة، ولهذا إنتخبها (عزّ اسمه) لمقام السيادة على نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وكانت تحتل موقعاً مميزاً من قلب صاحب الرسالة السمحاء المصطفى| لا يدانيه أحد إلاّ بعلها المرتضى×؛ لذلك عبّر عنها بروحه التي بين جنبيه، وثمرة فؤاده، ونور عينه، حيث قال رسول الله|: (وأما إبنتي فاطمة، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربّها (جلّ جلاله) زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض... )(52).
لهذا سنتعرّض إلى علاقة الزهراء’ بالقرآن الكريم، وشدّة تفاعلها معه وقوّة إرتباطها به، من خلال عرض بعض المواقف في سيرتها العطرة؛ وإليك أيها القارئ الكريم بعضها.
عظمة القرآن الكريم عند الزهراء
القرآن الكريم قد قَرع سمع الزهراء’ منذ نعومة أضفارها، وكانت تعيش حالات نزول القرآن لحظة بلحظة، وكان لا يفارق عقلها وقلبها وروحها، بل جسدت الزهراء’ القرآن الكريم في الواقع العملي قلباً، وقالباً.
وأدركت القرآن حقّ إدراكه، وعرفته حقّ معرفته، فها هي تصف القرآن وصف العارف بحقائقه، المدرك لمعانيه، السابر لأسراره، العامل بأحكامه، فقد قالت’: (كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللاّمع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائداً على الرضوان أتباعه، مؤدّ إلى النجاة إستماعه، به تُنالُ حجج الله المنورة، وعزائمه المفسَّرة، ومحارمه المحذّرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة)(53).
فقد أشارت ’ إلى عظمة القرآن ووصفته بأنّه كتاب ناطق، ونور ساطع، وضوء لامع. قد بدّد ظلمات الجهل والتعصّب والانحراف والخرافة ببراهينه الجليّة واستدلالته النيرة.
ذلك الكتاب الذي يقود أتباعه إلى ساحل الحقّ والحقيقة، وبرّ الأمن والأمان، ويدعوهم إلى الحياة الخالدة وجنّة الله الأبدية...
ولشدّة علاقتها بالقرآن الكريم، وعظيم حبها له، كانت’ تعتبره من أحبّ الأشياء لها في حياتها الدنيا، حيث قالت’: (حُبِّبَ إليَّ من دنياكم ثلاثٌ: تلاوة كتاب الله، والنظر في وجه رسول الله، والإنفاق في سبيل اللهِ)(54).
وقد كانت تتجلى عليها عناية الله (سبحانه وتعالى) عند قراءتها للقرآن الكريم وتشتدّ رعايته لها في تلك الأوقات التي تترنّم الزهراء’ بتلاوة آيات الله (عزّ وجلّ)، وهي تسخير الملائكة لخدمتها.
والشاهد على هذا المدّعى: الرواية التي يرويها أمامنا الباقر× عن آبائه^: (بعث رسول الله| سلمان إلى فاطمة، قال: فوقفت بالباب حتى سلّمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، والرحى تدور من برا، ما عندها أنيس.
قال: فعدت إلى رسول الله| فقلت: يا رسول الله، رأيت أمراً عظيماً!
فقال: يا سلمان، تكلّم بما رأيت وسمعت.
قال: وقفت بباب إبنتك يا رسول الله، وسلّمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، والرحى تدو من برا ما عندها أنيس!
قال: فتبسّم رسول الله| وقال: يا سلمان، إنّ إبنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها(55)، فتفرغت لطاعة الله (عزّ وجلّ) فبعث الله ملكاً إسمه (روفائيل) ـ وفي رواية أُخرى: (رحمة) ـ فأدار لها الرحى فكفاها الله (عزّ وجلّ) مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة)(56).
وكانت’ تؤكد على قراءة القرآن الكريم، لهذا كانت تشير إلى فضائل وآثار قراءة الكتاب العزيز وتلاوته، فقد أشارت إلى ثواب قراءة بعض سور القرآن، حثّاً على قراءتها، حيث قالت: (قارئ (الحديد)، و(إذا وقعت)، و(الرحمن)، يدعى في السموات والأرض: ساكن الفردوس)(57).
الاستدلال بالقرآن لإثبات حقوقها وميراثها
الزهراء’ نهجت منهج القرآن، فأصبح خطّها الرسالي قرآني الفكر والمصدر، لذلك نرى ماذا فعلت في مطالبتها لحقوقها التي صادرتها الحكومة القائمة دون مبرر شرعي أو قانوني.
فقد جعلت القرآن الكريم هو المدرك الشرعي الذي من خلاله تتحرك، وتحتج به على القوم فيما أخذوه منها، فهي تخاطب زعيم القوم آنذاك: (يا بن أبي قحافة، أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟!
لقد جئت شيئاً فريّاً، أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموهُ وراء ظهوركم إذ يقول: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)(58)، وقال فيما إقتصَّ من خبر يحيى بن زكريّا إذ قال: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(59)، وقال: (وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّه)(60)، وقال: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن)(61)، وقال: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)(62).
وزعمتم أن لا حظوة لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أخصّكم الله بآية أخرج منها أبي؟!
أم هل تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أو لستُ أنا وأبي من أهل مِلّةٍ واحدة؟!
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟!
فدونكها مخطومةً مرحولة تلقاك يوم حشرِك. فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، و(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ)(63)، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ)(64) ) (65).
قد أثبتت السيدة الزهراء’ بهذا المقطع من خطبتها الشريفة في المسجد النبوي الشريف، زيف إدعاء القوم أنّ الرسول| قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث).
وذلك من خلال إستدلالها بمجموعة من الآيات القرآنية التي أثبتت كذب هذا الحديث المفترى على النبي|، وأنّه لا مانع موجود من أحقيتها بإستحقاق الإرث من أبيها المصطفى|، فقد أشارت إلى ثلاث نقاط مهمّة، وهي:
1 ـ الآيات القرآنية الدالّة بعمومها على أنّ كلّ ميت يرثه أولاده وأقربائه، والزهراء’ من أقرب النّاس إليه فهي أبنته، وهذا ما يصطلح عليه عند أهل العلم    بـ (وجود المقتضي لإستحقاقها الإرث).
2 ـ عدم وجود مانع من موانع الإرث يشمل الزهراء’، حتى تمنع من استحقاق إرثها من أبيها المصطفى|، ومن هذه الموانع أن يكون الميّت من دين أو ملّة ووارثه على غير دينه وملته، مثلاً يكون الميّت مسلماً وولده غير مسلم، فإنه لا يرث والده، علماً أنّ الزهراء وأباها من ملّة الإسلام. وهذا ما يصلح عليه بـ (فقدان المانع من إستحقاقها الإرث).
3 ـ إنّ الأعلم بالقرآن وأحكامه، وعمومه وخصوصه، ومحكمه ومتشابهه، وإطلاقه ومقيّده، وظاهره وباطنه هو أبي محمد| وزوجي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×.
فإستنكرت الزهراء’ على القوم، حيث منعوها من إرثها وحقوقها، فقالت’: (أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟)؛ لتبيّن لهم أنّكم على خطأ، وما تقومون به مخالف للقرآن الكريم، وأهل البيت^ الذي نزل القرآن في بيوتهم. وهما ـ القرآن، وأهل البيت^ ـ مؤيدان لي بإستحقاقي للإرث.
فهذه الأدلة الدامغة التي أقامتها الزهراء’ لإثبات حقها وإرثها جاءت بها من كتاب الله العزيز، وقد أقحمت القوم بإستدلالها ولكنّهم لم يردوا لها حقوقها ولم يعطوها إرثها؛ لأنّهم إن صدقوها اليوم، تأتي لهم في يوم آخر لتطالب بالخلافة لزوجها أمير المؤمنين×.
قال إبن أبي الحديد المعتزلي: (سألت إبن الفارقي مدرّس المدرسة الغربية ببغداد، وقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟
قال: نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكاً وهي عنده صادقة؟
فتبسّم ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلّة، دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدكاً لمجرد دعواها، فجاءت إليه غداً وإدعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يمكن الإعتذار والموافقة؛ لأنّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة، فيما تدّعي كائناً ما كان، من غير حاجة إلى بيّنة وشهود)(66).
الإستدلال على أحقيّة أمير المؤمنين بالخلافة
كانت الزهراء’ تستشهد بالقرآن الكريم لإثبات منهجها ومنهج أهل البيت^ في مواصفات الخليفة، ومصداقه الواقعي، فقد تساءلت عن إستبدال المؤهّل للخلافة وهو أمير المؤمنين ـ علي بن أبي طالب× ـ بإعتبار خلافته، قد جاءت بإختيار الله عزّ وجلّ، وتنصيب رسول الله|، وإجتمعت فيه شروط الخلافة ومؤهلاتها، وهي الأفضليّة في العلم والتقوى، والكفاءة.
قالت (سلام الله عليها): (ألاّ هلمَّ، وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن فعجب فعب قولهم، ليت شعري إلى أيِّ سناد إستندوا! وعلى أيِّ عماد إعتمدوا؟! وبأيِّ عروةٍ تمسكوا؟ وعلى أيّة ذريّةٍ أقدموا وإحتنكوا؟ 
(لبئس المولى ولبئس العشير)(67).
(وبئس للظالمين بدلاً)(68).
إستبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(69)، (أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ)(70)، ويحهم (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(70) ) (71).
فقد إستشهدت بآيات القرآن لنفي مُدّعى الآخرين من أنّهم كانوا حريصين على الإسلام والمسلمين المصلحة العامّة، (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)، و(أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ) فقد أثبتت خطأ الطريقة التي تمّ فيها إختيار الخليفة، بغياب وجوه الصحابة وجميع بني هاشم، والإحتجاج بالقرابة من رسول الله|، وتناسي أنّ علياً× هو الأقرب له، إضافة إلى التسرع والخلافات الصاخبة أثناء الإختيار.
ثم تطرّقت إلى أهم خصائص الإمام أو الخليفة بأن يكون قدوة مجسّداً للحق في أقواله وممارساته وقراراته؛ لكي يكون هادياً، وأحقّ بالإتباع، فتلت الآية الكريمة: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(73).
فأشارت على الأمة أن تختار الشخصية صاحبة الخصائص الفاضلة، والكفاءات العالية التي تكون قادرة على هداية الأمة والأخذ بها إلى جادة الحق والصواب، وعدم إختيار الشخصية الفاقدة للقابليات، المفتقرة للكفاءات، المحتاجة إلى الهداية والتقويم والإصلاح.
وهذا ما يتفق عليه جميع العقلاء، ويصطلحون عليه بـ (تقديم الفاضل على المفضول).
ثمّ تطرّقت السيدة الزهراء’ إلى نتائج الطريقة التي إستخدمها القوم بإختيار الخليفة، حيث ستنتهي بوصول الظالمين وإستبدادهم، فقالت: (ويعرف التالون غِبَّ ما أسّس الأولون، ثمَّ طيبوا عن دنياكم أنفساً، وإطمئنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج شامل، وإستبداد من الظالمين، يدعُ فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم! وأنى بكم وقد عُمِّيت عليكم (أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)(75).
إنطلقت الصديقة فاطمة’ من الثوابت المتبناة من قبل أهل البيت^ لتبيان خصائص الخليفة المؤهل للمسؤولية، ومصداقه، ووجهت الأنظار إلى سيرته في الأمة فيما لو كان هو المتصدّي، أو هو المختار من قبل الأمّة إستجابة للأوامر الإلهية والنبوية، ثمّ تطرقت إلى الآثار الإيجابية لهذا الإختيار، شافعةً كلامها بالآية الكريمة: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(79)، (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)(80).
حيث قالت’: (ويحهم، أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الرّوح الأمي، والطبين بأُمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المُبين.
وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وقلّة مُبالاته لحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمرهُ في ذات الله. وتالله، لو مالوا عن المحجَّة اللائحة، وزالوا عن قبول الحُجَّة الواضحة لردّهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سُجُحا، لا يُكلُمُ خِشاشه، ولا يكلُّ سائرهُ، ولا يملُّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً، تطفحٍ ضفّتاهُ، ولا يترنّق جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً... )(78).
مدرسة الزهراء’ القرآنية
قد أثمرت مدرسة الزهراء القرآنية حيث تخرّجت منها نساءٌ فاضلات كأمثال فضة خادتمها، التي كانت حافظة للقرآن الكريم، وما تكلّمت طوال عشرين عاماً بغير القرآن الكريم، فكانت إذا أرادت شيئاً، أو سُئلت عن شيء تبيّن ذلك من خلال آيات الكتاب المجيد، ومن ذلك ما رواه إبن شهر آشوب في (المناقب) عن علاقة خادمة الزهراء× ـ فضة ـ بالقرآن الكريم، حيث قال: (قال أبو القاسم القشيري في كتابه: قال بعضهم: إنقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأةً فقلت لها: من أنت؟
فقالت: (وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(79)، فسلّمت عليها.
فقلت: ما تصنعين هاهنا؟
قالت: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ)(80).
فقلت: أمن الجنّ أنتِ أم من الإنس؟
قالت: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ)(81).
فقلت: من أين أقبلت؟
قالت: (يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)(82).
فقلت: أين تقصدين؟
قالت: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت)(83).
فقلت: متى إنقطعت؟
قالت: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)(84).
فقلت: أتشتهين طعاما؟
قالت: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ)(85).
فأطعتمها، ثمّ قلت: هرولي ولا تعجلي.
قالت: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)(86).
فقلت: أردفك؟
قالت: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)(87).
فنزلت فأركبتها.
فقالت: (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا)(88).
فلمّا أدركنا القافلة قلت لها: ألك أحد فيها؟
قالت: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْض)(89)، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ)(90)، (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ) (91)، (يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ)(92).
فصحت بهذه الأسماء، فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين نحوها، فقلت: من هؤلاء منك؟
قالت: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(93).
فلمّا أتوها قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)(94) فكافئوني بأشياء، فقالت: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ)(95)، فزادوا عليّ فسألتهم عنها، فقالوا: هذه أُمّنا فضّة جارية الزهراء’، ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن) (96).
وصيتها بقراءة القرآن بعد دفنها
كانت الزهراء× تعيش مع القرآن فكراً ومنهجاً وروحاً ومأنساً لها، وهذه الرابطة لم تكن على مستوى عالم الدنيا فحسب، بل تستمر علاقة الزهراء مع القرآن حتى على مستوى عالم الآخرة؛ وذلك لشدة الترابط والتآصر فيما بينهما، فها هي توصي أمير المؤمنين× في وصيتها بتلاوة القرآن بعد دفنها، حيث قالت: (إذا أنامت فتولّ أنت غُسلي، وجهّزني وصلِّ عليّ، وأنزلني قبري، وألحدني وسوِّ التُراب عليّ، واجلس عند رأسي قُبالة وجهي، فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء، فإنّها ساعة يحتاج الميت فيها إلى اُنس الأحياء، وأنا أستودعك الله تعالى، وأوصيك في وَلدي خيراً)(97).
هذا غيض من فيض علاقة الزهراء’  بالقرآن الكريم.
فسلام الله عليك سيدتي فاطمة يوم ولدتِ ويوم إستشهدت ويوم تبعثين، لتكوني شفيعةً لنا ولمحبيك ومحبي ذريتك، والسائرين على نهجكِ، ونهج أولادكِ الميامين.
الهوامش
(1) الترمذي، سنن الترمذي 5: 328 ح3874.
(2) أحمد بن حنبل، مسند أحمد 5: 182.
(3) الترمذي، سنن الترمذي 5: 329 ح3876.
(4) محمد تقي الحكيم، الأصول العامّة للفقه المقارن: 158.
(5) الهيثمي، الصواعق المحرقة 2: 442، طبعة مؤسّسة الرسالة، بيروت.
(6) الهيثمي، الصواعق المحرقة 2: 442، طبعة مؤسّسة الرسالة، بيروت.
(7) محمد بن الحسن الصفار،، بصائر الدرجات: 103.
(8) البحراني، الحدائق الناضرة 1: 29.
(9) الترمذي، سنن الترمذي 4: 245 ـ 246 ح3070.
(10) الكليني، الكافي 2: 612 ح6.
(11) الكليني، الكافي 2: 613 ـ 614 ح5.
(12) الكليني، الكافي 2: 613 ح1.
(13) سورة المائدة: 118.
(14) النووي، التبيان في آداب حملة القرآن: 85.
(15) سورة الفاتحة: 3.
(16) الكليني، الكافي 2: 602 ح13.
(17) البهائي العاملي، مفتاح الفلاح: 292.
(18) الكليني، الكافي 2: 602 ح13.
(19) الطوسي، الأمالي: 523.
(20) سورة الأحقاف: 15.
(21) سورة البقرة: 233.
(22) المفيد، الإرشاد 1: 206، السيوطي، الدر المنثور 1: 288.
(23) النقي: الخبز الحواري (النهاية 5: 112).
(24) سورة الأعراف: 50.
(25) المفيد، الإرشاد 2: 163 ـ 164.
(26) سورة الأعراف: 31.
(27) سورة البقرة: 216.
(28) الكليني، الكافي 6: 406 ح1.
(29) سورة الأحزاب: 33.
(30) سورة الأحزاب: 33.
(31) ابن جرير الطبري، تفسير الطبري 19: 107.
(32) السيد عبد الحسين شرف الدين، الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء: 51 ـ 52.
(33) سورة الأحزاب: 33.
(34) الصدوق، علل الشرائع: 191.
(35) سورة آل عمران: 61.
(36) فخر الدين الرازي، التفسير الكبير 8: 80 آية 61.
(37) السيد عبد الحسين شرف الدين، الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء: 28.
(38) محمد بن طلحة الشافعي، مطالب السؤول: 7.
(39) سورة الشورى: 23.
(40) سورة الشورى: 23.
(41) الثعلبي، الكشف والبيان 8: 310.
(42) سورة الشورى: 23.
(43) سورة الأعراف: 158.
(44) سورة النور: 63.
(45) سورة آل عمران: 31.
(46) سورة الأحزاب: 21.
(47) فخر الدين الرازي، التفسير الكبير 27: 66.
(48) سورة آل عمران: 31.
(49) سورة الإنسان: 5 ـ 9.
(50) الزمخشري، الكشاف 3: 297.
(51) الآلوسي، روح المعاني 29: 158.
(52) الصدوق، الأمالي: 175.
(53) الصدوق: علل الشرائع: 248.
(54) الشيخ جواد القيومي، صحيفة الزهراء’: 276.
(55) المشاش، جمع مشاشة: وهي رؤوس العظام اللينة، الصحاح ـ مشش ـ 3: 1019.
(56) الطبري الشيعي، دلائل الإمامة: 139.
(57) الشيخ جواد القومي، صحيفة الزهراء’: 278.
(58) سورة النمل: 16.
(59) سورة مريم: 5 ـ 6.
(60) سورة الأنفال: 75.
(61) سورة النساء: 11.
(62) سورة البقرة: 180.
(63) سورة الأنعام: 67.
(64) سورة هود: 39.
(65) الطبرسي، الاحتجاج 1: 138 ـ 139.
(66) ابن أبي الحديد المعتزلي: شرح نهج البلاغة 16: 284.
(67) سورة الحج: 13.
(68) سورة الكهف: 50.
(69) سورة الكهف: 104.
(70) سورة البقرة: 12.
(71) سورة يونس: 35.
(72) الطبرسي، الاحتجاج 1: 148.
(73) سورة يونس: 35.
(74) سورة هود: 28.
(75) الطبرسي، الاحتجاج 1: 148 ـ 149.
(76) سورة الأعراف: 96.
(77) سورة الزمر: 51.
(78) الطبرسي، الاحتجاج 1: 147 ـ 148.
(79) سورة الزخرف: 89.
(80) سورة الزمر: 37.
(81) سورة الأعراف: 31.
(82) سورة فصِّلت: 44.
(83) سورة آل عمران: 97.
(84) سورة ق: 38.
(85) سورة الأنبياء: 8.
(86) سورة البقرة: 286.
(87) سورة الأنبياء: 22.
(88) سورة الزخرف: 13.
(89) سورة ص: 26.
(90) سورة آل عمران: 144.
(91) سورة مريم: 12.
(92) سورة القصص: 30.
(93) سورة الكهف: 46.
(94) سورة القصص: 26).
(95) سورة البقرة: 261.
(96) ابن شهر آشوب، المناقب 3: 391.
(97) المجلسي، بحار الأنوار 79: 27.