ارسال السریع للأسئلة
تحدیث: ١٤٤٥/٨/١٥ من نحن منشورات مقالات الصور صوتيات فيديو أسئلة أخبار التواصل معنا
العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
■ کلمتنا:التوحید هو المقصد الأعلی والغایة القصوی
■ نظریات صاحب الکفایة:الشیخ غالب الکعبي
■ شرح حدیث عنوان البصري٣:الاستاذ السید عادل العلوي
■ الإمامة والخلافة:آیت الله السید محمد حسن الموسوي
■ الخصائص القرآن الکریم:شیخ طالب الخزاعي
■ سیدات نساء العالمین:ماهر الجراح
■ الإمامة سنة کونیة:محمد محسن العمید
■ التفسیر السلبي للأمر بالمعروف:الدکتور فارس عامر
■ الغدیر في کلام أخي الأمیر:رحیم امید
■ الملائکة:الشیخ علي الکعبي
■ أوصاف المسیح:مائدة عبد الحمید
■ في رحاب الخیر:السید علي العلوي
■ الأخلاق و أهمیته:علي یحیی تیمسوقي
■ نسیم الربیع:الدکتور طه السلامي
■ معاجز المعصومین(ع):مفید حمیدیان
■ من الشعر الشعبي العراقي:یاسر الشجاعي
■ بناء الکعبة المشرفة:هیئة التحریر
■ کل شي یطیعهم:هیئة التحریر
■ إقرءها ثلاث مرآت:هیئة التحریر
■ تحریم الغناء في القرآن الکریم:هیئة التحریر
■ واحة السؤال والجواب:السید عادل العلوي
■ صورة العدد المختارة:محمد لاجوردي
■ واحة الصور:صدقة جاریة:محمد لاجوردي
  1. صوت الكاظمين _ العدد: 260 - 259. ربيع الأول و ربيع الثاني 1442 هـ
  2. صوت الكاظمين _ العدد: 258 - 257. محرم الحرام و صفر 1442 هـ
  3. صوت الكاظمين _ العدد: 256 - 255. ذي القعدة و ذي الحجة 1441 هـ
  4. صوت الكاظمين _ العدد: 254 - 253. رمضان الکريم وشوال 1441 هـ
  5. صوت الكاظمين _ العدد: 252 - 251. رجب المرجب و شعبان 1441 هـ
  6. صوت الكاظمين _ العدد: 250 - 249. جمادي الأولی و الثانية 1441 هـ
  7. صوت الكاظمين _ العدد: 248 - 247. ربيع الأول و ربيع الثاني 1441 هـ
  8. صوت الكاظمين _ العدد: 246 - 245. محرم الحرام و صفر 1441 هـ
  9. صوت الكاظمين _ العدد: 243 - 242. ذي القعدة وذي الحجة 1440 هـ
  10. صوت الكاظمين _ العدد: 242 - 241. رمضان الکريم وشوال 1440 هـ
  11. صوت الكاظمين _ العدد :239_240
  12. صوت الكاظمين _ العدد :237_238
  13. صوت الكاظمين _ العدد :235_236
  14. صوت الكاظمين _ العدد :233_234
  15. صوت الكاظمين _ العدد :231_232
  16. صوت الكاظمين _ العدد :53 _ 12 شوّال 1417 هجرية
  17. صوت الكاظمين _ العدد :43 _ 12 ذوالحجة 1416 هجرية
  18. صوت الكاظمين _ العدد :37 _ 12 جمادی الثانی 1416 ه.ق
  19. صوت الكاظمين _ العدد :الحادي عشر _ربيع الثاني 1414 ه
  20. صوت الكاظمين _ العدد :العاشر _ربيع الاول 1414 ه
  21. صوت الكاظمين _ العدد :التاسع _صفر 1414 ه
  22. صوت الكاظمين _ العدد :الثامن _محرم 1414 ه
  23. صوت الكاظمين _ العدد :السابع _ذوالحجة 1413 ه
  24. صوت الكاظمين _ العدد :السادس _ذوالقعدة 1413 ه
  25. صوت الكاظمين _ العدد :الخامس _شوال 1413 ه
  26. صوت الكاظمين _ العدد :الرابع _شهر الرمضان 1413 ه
  27. صوت الكاظمين _ العدد :الثالث _شعبان 1413 ه
  28. صوت الكاظمين _ العدد :الثاني _رجب 1413 ه
  29. صوت الكاظمين _ العدد :الاول _جمادي الثاني 1413 ه
  30. صحيفة صوت الکاظمين - العدد: 230-229. رمضان و شوال 1439 هـ
  31. صحيفة صوت الکاظمين - العدد: 228- 227. رجب المرجب و شعبان 1439 هـ
  32. صحيفة صوت الکاظمين - العدد: 226-225. جمادی الأولی والثانية 1439 هـ
  33. صحيفة صوت الکاظمين - العدد: 223-224 ربیع الأول والثاني 1439 هـ
  34. الكوثر العدد الرابع والعشرون - رجب 1432هـ
  35. الكوثر العدد الثالث والعشرون - رجب 1426
  36. الكوثر العدد العشرون محرّم 1425
  37. الكوثر العدد التاسع عشر رجب 1424
  38. الكوثر العدد الثامن عشر محرّم 1424
  39. الكوثر العدد السابع عشر رجب 1423
  40. الكوثر العدد السادس عشر محرّم 1423
  41. الكوثر العدد الخامس عشر رجب 1422
  42. الكوثر العدد الرابع عشر محرّم 1422
  43. الكوثر العدد الثالث عشر رجب 1421
  44. الكوثر العدد الثاني عشر محرم الحرام 1421
  45. صحیفة صوت الکاظمین 222-221 أشهر محرم الحرام و صفر 1439 هـ
  46. صحیفة صوت الکاظمین 219-220 أشهر ذي القعدة وذي الحجة 1438هـ . 2017م
  47. مجلة الکوثر - العدد السادس والثلاثون والسابع وثلاثون 36 - 37 - شهر رجب 1438هـ -2017م
  48. صحیفة صوت الکاظمین 216-218 أشهر رجب - شعبان - رمضان 1438هـ . نيسان / ايّار / حزيران 2017م
  49. مجلة الكوثر - العدد العاشر - محرم الحرام - سنة 1420 هـ
  50. مجلة الكوثر - العدد التاسع - رجب - سنة 1419 هـ
  51. مجلة الكوثر - العدد الثامن - محرم الحرام - سنة 1419 هـ
  52. مجلة الكوثر - العدد السابع - 20 جمادي الثاني - سنة 1418 هـ
  53. مجلة الكوثر - العدد السادس - محرم الحرام - سنة 1418 هـ
  54. مجلة الكوثر - العدد الخامس - 20 جمادي الثاني - سنة 1417 هـ
  55. مجلة الكوثر - العدد الرابع - محرم الحرام - سنة 1417 هـ
  56. مجلة الكوثر - العدد الثالث - 20 جمادي الثاني - سنة 1416 هـ
  57. مجلة الكوثر - العدد الثاني - محرم الحرام - سنة 1416 هـ
  58. مجلة الكوثر - العدد الاول - 20 جمادي الثاني يوم ولادة سيدة فاطمة الزهراء - سنة 1415 هـ
  59. مجلة عشاق اهل بیت 7
  60. مجلة عشاق اهل بیت 6
  61. مجلة عشاق اهل بیت 5
  62. مجلة عشاق اهل بیت 4
  63. مجلة عشاق اهل بیت 3
  64. مجلة عشاق اهل بیت 2
  65. مجلة عشاق اهل بیت 1
  66. صحیفة صوت الکاظمین 215-212 شهور ربیعین وجمادیین 1438هـ . دیسمبر / مارس2017م
  67. صحیفة صوت الکاظمین 210 -211 شهر محرم وصفر 1438هـ . أکتوبر/ نوفمبر 2016م
  68. صحیفة صوت الکاظمین 208 -209 شهر ذي القعدة وذي الحجة 1437هـ .أغسطس/سبتمبر 2016م
  69. مجلہ عشاق اہل بیت 14و 15 ۔ ربیع الثانی 1437 ھ
  70. مجلہ عشاق اہل بیت 12و 13 ۔ ربیع الثانی 1436 ھ
  71. صحیفة صوت الکاظمین 206 -207 شهر رمضان وشوال 1437هـ .نیسان/أیار2016م
  72. مجلة الکوثر الرابع والثلاثون والخامس وثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م
  73. صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ .نیسان/ أیار 2016م
  74. صحیفة صوت الکاظمین 203-202 شهر جمادي الاول والثاني 1437هـ .فبرایر/مارس 2016م
  75. مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م
  76. صحیفة صوت الکاظمین 201-200 شهر ربیع الاول والثاني 1437هـ .دیسمبر/کانون الاول 2015م
  77. صحیفة صوت الکاظمین 198-199 شهر محرم الحرام وصفر 1436هـ .اکتبر/نوفمبر 2015م
  78. صحیفة صوت الکاظمین 196-197 شهر ذي القعدة وذي الحجة 1436هـ . اغسطس/سبتمبر 2015م
  79. صحیفة صوت الکاظمین 194-195 شهر رمضان وشوال 1436هـ . حزیران/تموز 2015م
  80. صحیفة صوت الکاظمین 193 شهر شعبان 1436هـ . مایو/آیار 2015م
  81. صحیفة صوت الکاظمین 192 شهر رجب المرجب 1436هـ . ابریل /نیسان 2015م
  82. مجلة الکوثر الثاني والثلاثون - شهر رجب المرجب 1436هـ -2015م
  83. مجلة الکوثر الواحد والثلاثون - شهر محرم الحرام 1436هـ -2014م
  84. صحیفة صوت الکاظمین 190 -191 شهر جمادي الاول والثاني 1436هـ. فبرایر/شباط 2015مـ.
  85. صحیفة صوت الکاظمین 189 شهر ربیع الثاني 1436هـ. ینایر/کانون الثاني2014مـ.
  86. صحیفة صوت الکاظمین 188 شهر ربیع الاول 1436هـ. کانون الاول/ کانون الثاني 2014مـ.
  87. صحیفة صوت الکاظمین 187 شهر صفر المظفر 1436هـ. دیسمبر/ کانون الاول 2014مـ.
  88. صحیفة صوت الکاظمین 186 شهر محرم الحرام 1436هـ. اکتوبر/ تشرین الاول 2014مـ.
  89. صحیفة صوت الکاظمین 185 شهر ذي الحجة 1435هـ. سبتمبر/ أیلول 2014مـ.
  90. صحیفة صوت الکاظمین 184 شهر ذي القعدة 1435هـ. اغسطس/ اب 2014مـ.
  91. صحیفة صوت الکاظمین 183 شهر شوال المکرم 1435هـ. یولیو/تموز 2014مـ.
  92. صحیفة صوت الکاظمین 182 شهر رمضان 1435هـ. یونیو/حزیران 2014مـ.
  93. مجلة الکوثر الثلاثون - شهر رجب المرجب 1435هـ -2014م
  94. صحیفة صوت الکاظمین 181 شهر شعبان المعظم 1435هـ. یونیو/حزیران 2014مـ.
  95. صحیفة صوت الکاظمین 180 شهر رجب المرجب 1435هـ. مایو/أیار 2014مـ.
  96. صحیفة صوت الکاظمین 179 شهر جمادي الثاني 1435هـ. ابریل/نیسان 2014مـ.
  97. صحیفة صوت الکاظمین 178 شهر جمادي الأول 1435هـ. مارس/آذار 2014مـ.
  98. صحیفة صوت الکاظمین 177 شهر ربیع الثاني 1435هـ.فبرایر/شباط2014مـ.
  99. صحیفة صوت الکاظمین 176 شهر ربیع الأول 1435هـ. ینایر/کانون الثاني2014مـ.
  100. صحیفة صوت الکاظمین 175 شهرصفر 1435هـ. دیسمبر/کانون2013مـ.
  101. مجلة عشاق اهل بیت 11
  102. مجلة الکوثر التاسع والعشرون -شهر محرم الحرام 1435ه -2013م
  103. صحیفة صوت الکاظمین 174 شهر محرم الحرام1435
  104. صحیفة صوت الکاظمین 173 شهر ذي الحجة 1434
  105. صحیفة صوت الکاظمین 172 شهر ذي القعده
  106. مجلة عشاق اهل بیت شماره 10شوال 1434هـ
  107. صحیفة صوت الکاظمین 171 شهر شوال
  108. مجلة عشاق اهل بیت 8 - شوال 1333هـ
  109. مجلة عشاق اهل بیت 9 - ربیع الثانی 1334
  110. مجله الکوثر 28-رجب المرجب1434 هـ 2012 م
  111. مجله الکوثر 27-محرم الحرام1434 هـ 2012 م
  112. صوت الكاظمین-العدد 170-رمضان 1434 هـ -یولیو/تموز2013 م .
  113. مجلة صوت الکاظمین العدد166
  114. صوت الكاظمین-العدد 169-شعبان المعظم 1434 هـ - یونیو 2012 م .
  115. صوت الكاظمین-العدد 168-رجب المرجب 1434 هـ - مایو 2012 م .
  116. صوت الكاظمین-العدد 167 -جمادی الثانی 1434 هـ - أبریل 2013 م .
  117. صوت الكاظمین-العدد 165-ربیع الثانی 1434 هـ - فیرایر 2012 م .
  118. صوت الكاظمین-العدد 164-ربيع الاول 1434 هـ - يناير 2013 م .
  119. صوت الكاظمین-العدد 149-ذی الحجة 1432هـ - أکتوبر 2011 م .
  120. صوت الكاظمین-العدد 150-محرم الحرام 1433 هـ - نوفمبر 2011 م .
  121. صوت الكاظمین-العدد 151-صفر المظفر 1433 هـ - ینایر 2012 م .
  122. صوت الكاظمین-العدد 152-ربع الأول الخیر 1433 هـ - فبرایر 2012 م .
  123. صوت الكاظمین-العدد 153-ربیع الثانی1433 هـ - مارس 2012 م .
  124. صوت الكاظمین-العدد 154-جمادی الأولی 1433هـ - مایو 2012 م .
  125. صوت الكاظمین-العدد 155-جمادی الثانی 1433 هـ - یونیو 2012 م .
  126. صوت الكاظمین-العدد 157-شعبان المعظم 1433 هـ - اغسطس 2012 م .
  127. صوت الكاظمین-العدد 156-رجب المجرب 1433 هـ - یولیو 2012 م .
  128. صوت الكاظمین-العدد 158-رمضان الکریم 1433هـ - اغسطس 2012 م .
  129. صوت الكاظمین-العدد 159-شوال 1433هـ - سبتمبر 2012 م .
  130. صوت الكاظمین-العدد 160-ذی القعدیة 1433 هـ - سبتمبر 2012 م .
  131. صوت الكاظمین-العدد 161-ذی الحجة 1433 هـ - آکتوبر 2012 م .
  132. صوت الكاظمین-العدد 162-محرم الحرام 1434 هـ - نوفمبر 2012 م .
  133. صوت الكاظمین-العدد 164-صفر الخیر 1434 هـ - دیسمبر2012 م .
  134. صوت الكاظمین-العدد 163-صفر الخیر 1434 هـ - دیسمبر2012 م .
  135. مجله الکوثر 26-العدد السادس والعشرون رجب المرجب 1433هـ 2012م
  136. مجلة الکوثر 25

أوصاف المسیح:مائدة عبد الحمید

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزيز العليم على ما أنزل من كتابه الكريم وعلى ما أنعم من نعمه الجليلة ومواهبه العظيمة نحمده مقرِّين بعجزنا عن حمده ونشكره مذعنين بتقصيرنا عن الوصول إلى غاية شكره ونصلي ونسلّم على خير خلقه البشير النذير صاحب الخلق الرفيع المحمود الأحمد المصطفى الأمجد أبي القاسم محمد وآله خير الورى سجية المنتجبين على البرية.
بدأنا في هذه الرحلة التأملية مع القرآن الكريم لنلتمس الأنوار الساطعة من الشخصيات الممدوحة على لسان الوحي الأمين، المتميزة بمواقفها النابعة من عقيدة راسخة ومن روح راقية في مسالك العبودية للمولى الحق ومن قلب مليء بالإيمان الذي لا يداخله أي ريب أو شك فترشحت من هذه المواقف الجديرة بالإتباع شذرات قدسية وإشعاعات بهية أحاطتهم بهالات ملكوتية فجعلتهم مناراً يهتدي به السالك إلى الحق تعالى يلتمس من إتباع مسيرهم الوصول إلى مقام القرب الإلهي والحضوة الربانية.
وقد بيّن القرآن الكريم هذا الخط النوراني من عباده المنتجبين وأنبيائه المختارين الممتد من آدم إلى الخاتم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) بأوضح بيان وبأيسر عبارات تدركها الأفهام، فهم^ تجمعهم خصوصيات تميزهم عن باقي البشر فهم عباده الذين لا يخالفون أمره ونهيه وهم المعصومون المنزهون وهم المبلّغون عن الله مولاهم الحق إلى أممهم وهم المبشرون وهم المنذرون وما بلَّغوا به هو واحد لا يتعدد  مضموناً وإن تعدد شكلاً ولغةً وصياغة تعدد الأمم التي أرسلوا إليها ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾(1).
وقد وصلنا في رحلتنا التأملية هذه إلى شخصية عظيمة في جميع نواحي وجودها المقدس ألا وهي شخصية عيسى× وقد تعرضنا في بحثنا حول هذه الشخصية من القسم الأول إلى ملابسات الولادة المباركة لعيسى× حسب الطرح القرآني وتناولنا في القسم الثاني الأوصاف التي يذكرها القرآن الكريم للسيد المسيح× حيث إنتهينا ـ في العدد السابق ـ من المحطة الأولى ألا وهي أوصاف السيد المسيح× التي ذكرها الله سبحانه للعذراء مريم’ عند تبشيرها بالوليد الموعود وذلك في مرحلتين. ونريد ـ بعون الله سبحانه ـ في هذه المقالة أن نفي بالوعد الذي قطعناه للقارئ الكريم بالكلام عن باقي الأوصاف المذكورة في ذيل تلك الأوصاف التي ذكرت في البشارة وذلك فيما يرتبط ببني إسرائيل ولهذا سنتوقف في المحطة الثانية من القسم الثاني، ولكن قبل التوقف في هذه المحطة يجدر بنا الإجابة على التساؤل التالي: لماذا تعرض القرآن الكريم لمرحلة عيسى× بهذا التفصيل؟ وبعبارة أُخرى.
ما أهمية دراسة هذه المرحلة من مراحل التاريخ البشري للأمة الإسلامية؟
وإذا تأملنا القرآن الكريم نجده ينقل لنا سلسلة من الأحداث والمواقف مسلطاً الأضواء على قطبين أساسيين في ملحمةٍ تتكرر عبر التاريخ بين إرادة نورانية مقدسة هي إرادة الله الخالق الرحيم في هداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإرادة خبيثة ظلمانية تتمثل في عدوّ الله الرجيم ونفس الإنسان الأمارة بالسوء، وتبدأ هذه الملحمة عادة ببعثة الله سبحانه لنبي من أنبيائه الكرام^ في مقطع مختار وبقعة معينة لأناس يريد بهم ربهم الرحمة.
وهنا في هذا المقطع، في هذا المنعطف الخطير من التاريخ الإنساني الذي أرادت له القدرة الربانية أن يكون خاصاً متميزاً، يسلط الله سبحانه الأضواء في كتابه الكريم على محورين أساسيين في هذه الأحداث التي يستعرضها لنا القرآن الكريم؛ المحور الأول يتمركز حول شخصية عيسى× كرسول لبني إسرائيل والمحور الثاني يتمركز حول بني إسرائيل وسنحاول الإجابة على التساؤل الذي أوردناه أعلاه من خلال هذين المحورين تابعين في ذلك القرآن الكريم (لابد من الإشارة إلى أنّ هذين المحورين هما محورين غير منفصلين بصورة تامة فقد يحدث بعض التداخل مع وجود الإنفصال التام بالنسبة للشخصيات والمواقف النابعة منها ولكن التداخل أيضاً هو أمر لا مفرّ منه).
المحور الأول: ﴿ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾.
أراد الله سبحانه وتعالى لشخصية المسيح (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) أن تكون خاصة ومتميزة على كل المقاييس فمنذ أول مراحل خلقته المباركة ـ بل وما قبلها كما فصلنا في مقالات سابقة ـ إلى ولادته الشريفة إلى حياته المباركة، إلى رفعه إلى السماء، وإلى نزوله ـ في القريب العاجل إنشاء الله ـ للصلاة خلف الإمام المهدي#، في كل هذه المراحل كان وجوداً مميزاً بما في هذه الكلمة من معنى ومن حق الذهن البشري عندما يلاحظ هذا التميُّز أن يتساءل عن السّر في ذلك. وبما أنّ هذا الوجود المميَّز كان في المعادلة الأرضية يرمز إلى الجهة المبلّغة عن الرب الجليل إلى عباده، وكان في المعادلة السماوية عبداً من هؤلاء العباد مكلَّف بمهام مُحدّدةٍ بدقة وعناية ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ﴾(2)، فوجّه إلى الحق ووجّه إلى الخلق وهو× في كلا المعادلتين لا يتميز بشيء خاص من بين الانبياء^ المنتجبين إلهياً لهداية الناس إلى الصراط المستقيم فلابّد أن يكون تميُّزه وفقاً للحقبة التاريخية التي بعثه الله  سبحانه وتعالى فيها، فنحن نستكشف من المميزات الخاصة التي حباه الخالق القدير بها حساسية وأهمية هذا الظرف الزمني الذي وُجد فيه هذا الوجود العيسوي المقدس بكل ما يحمل من ميزات وخصوصيات فقد كان× حلقة الوصل في السلسلة الإلهية لإنبيائه المختارين إلى خاتمهم حبيبه المصطفى‘ وآخر أنبياء بني إسرائيل^، فكان المسيح× نقطة عطف مضيئة وكان عليه أن يقوم بدور خطير في مرحلة حساسة من تاريخ البشرية والنبوّات الإلهية، مرحلة إنتقالية إعدادية تحضرية، إنتقالية تنتقل فيها النبوة من بني إسرائيل فقد بشَّر الله سبحانه على لسان عيسى× بأن النبي الأكرم‘ هو الذي سيكون هادياً للبشرية من بعد عيسى× ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾(3) وهو‘ من ذرية إسماعيل× فكان هذا إيذاناً بإنتهاء دور الأمة الإسرائيلية كأمة مُعلِّمة قائدة، والإنتقال إلى دور التابع المتعلم (وبالطبع من المفترض أنّه لا يوجد فرق في المدرسة الإيمانية وإن كان إمتحاناً لمدى صدق الإيمان وتمحيصاً وإبتلاءا).
وكانت إعدادية تحضرية لما سيأتي من بعدها حيث ستُتوَّج البشرية بتاج عزّها وإفتخارها وسيولد في بقعة ليست بالبعيدة عن بيت المقدس، وبالقرب من بيت الله الحرام مولودٌ هو خير ما أنجبت البشرية وهو خاتم الأنبياء وهو الذي سيحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ  ﴾(4).
وسيكون من ذريته‘ خاتم الأوصياء^ ـ وهو من سيصلي المسيح× خلفه ـ حيث سيكون هو الختام لهذه السلسلة النورانية من آدم× إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها ويكون المحقق لحلم الأنبياء^ والمحقق للوعد الإلهي ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ﴾ (5). فإذا فهمنا أن عيسى× كان على عاتقه مهمة تحضير الأذهان لهذه الأحداث الجليلة يمكن لنا أن نفهم تأييده بالبيات وبروح القدس بل وحتى ولادته المعجزة ورفعه إلى السماء فكل هذه الأمور تصب في مجرى واحد وهو تحقيق المهمة الإلهية التي كان عليه القيام بها في الفترة الأولى من حياته الشريفة ـ قبل الرفع ـ والفترة الثانية، عندما ينزل من السماء بالهيئة المذكورة في الروايات تأييد للمهدي# لأرساء حكومة العدل الإلهية.
المحور الثاني: بني إسرائيل
لا يجد القارئ والمتأمل للقرآن الكريم مندوحة عن دراسة المجتمع الإسرائيلي لكثرة ذكره في القرآن الكريم وبصورة ملفتة للنظر ولعلّ ذلك ينطلق ـ إذا أخذنا بالإعتبار زمن نزول القرآن الكريم ـ من ثلاثة منطلقات: 
الأوّل: متقدم على زمن النزول، يتعلق بالماضي حيث كان بنو إسرائيل مجتمعاً حاضناً للنبوات، فيه الأنبياء^ ومنه أنصارهم وأعدائهم أيضاً. 
الثاني: معاصر لزمن النزول، يتعلق بمواقف وحوادث كثيرة في الدعوة الإسلامية نتجت من كون بني إسرائيل جيراناً للنبي الأكرم‘ وللمجتمع الإسلامي في المدينة المنورة ثم إنهم أهل الكتاب وحملة الرسالات التي جاء الإسلام ليقول أن مصدر الوحي الذي نزل على النبي الأكرم‘ وباقي الانبياء^ واحد، وأن الجميع يلتقي بأنّ الأصل واحد والدعوة واحدة ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ (6). ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ (7).
الثالث: مستقبلي، حيث توكد لنا الروايات أنّ كثيراً من الآيات القرآنية جاءت على أساس (إياكِ أعني وإسمعي يا جارة) كما أكدت الروايات بأن مستقبل الأمة الإسلامية يشبه في كثير من الوجوه ما جرى على الأمة الإسرائيلية قبل الدعوة الإسلامية (عن أبي سعيد الخدري (رض) أن النبي ‘ قال: لتتبعُنَّ سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا حُجرَ ضَبٍّ تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن؟! (8).
فذكر القرآن الكريم قصصهم للعبرة والإعتبار ومن هنا تبرز أهمية دراسة هذا المجتمع بني إسرائيل، وعلى كل حال سنذكر في هذه المقالة بعضاً من خصوصيات المجتمع الإسرائيلي بصورة عامة منذ تشكله إلى يومنا هذا وبصورة خاصة بالنسبة للمجتمع المعاصر لعيسى× وذلك بصورة مختصرة وبما يتلائم مع بحثنا الحالي آملين في أن نتوفق لدراسته بصورة أدق وأعمق في فُرص لاحقة إنشاء الله تعالى.
كان هذا المجتمع متصلاً بالأنبياء^ منذ بداية تشكله ـ حيث كانت النواة الأُولى التي تكوّن منها هي أحد الأنبياء العظام (على نبينا وآله و^)  ألا وهو يعقوب× (وباركت ليعقوب إسرائيلك في أمة موسى)(9).
فسُموا ببني إسرائيل لأنهم أبناء يعقوب× ـ وقد تحملوا  أعباء الرسالات الإلهية فكان منهم الأنبياء والمختارين إلهياً وكان منهم الأوصياء والأولياء والمساندين للأنبياء والمؤمنين بهم والمواكبين لركبهم السائرين على خطاهم. كما كان منهم المعاندين لهم والمارقين عليهم والمصطفين إلى صف أعدائهم ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ (10). وبالطبع كان فيهم المحايدون والمتبعون للأكثرية كما في كل الأمم فكانت رحلة النبوات الإلهية مع بني إسرائيل رحلة طويلة ورحلة شاقة وعسيرة في كثير من أدوارها وقد خاض الشعب الإسرائيلي تجارب قيمة تستحق التوقف عندها طويلاً وأخذ العبرة منها فنحاول أن نعرف أسباب وعوامل نجاحهم وفوزهم في بعض الإختبارات وعوامل فشلهم وتراجعهم في تجارب أُخرى فنُقوي في أنفسنا أسباب الإنتصار ونُقوّض ونتعالى على أسباب التخاذل والخسران وقد فصّل القرآن الكريم هذا الموضوع وبيَّنه ووضَّحه لكل طالب وراغب فعلى سبيل المثال يمتدح الله سبحانه صبرهم ويعتبره سبباً من وراثتهم مشارق الأرض ومغاربها وإتمام كلمته الحسنى عليهم.﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ (11).
كما يين أسباب إبعادهم عن ساحة القرب الإلهي وطردهم عن الرحمة الإلهية وأنّ ذلك كان بسبب كفرهم وعنادهم وقتلهم الأنبياء وتركهم نهي بعضهم البعض عن المنكر وما إلى ذلك من أسباب الإنحطاط الإعتقادي والإنحراف الإجتماعي والأخلاقي ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ (12).
في هذا المنعطف التاريخي المتميز من حياة البشرية، رتَّب الخالق المدبر الحكيم المقدمات الكفيلة بهداية المجتمع الإيماني لما فيه صلاحه للدنيا والآخرة فقد إمتازت هذه الشخصية التي أراد لها الله سبحانه أن تكون مناراً يهدي به الله من يشاء إلى سبل الرشاد بعدة مميزات خاصة ومنفردة مما يقودنا إلى الإعتقاد بأنّ هذا الخليط المتجانس من شخصية عيسى× ومقدمات ولادته ومواقفه والبينات التي أجراها الله سبحانه على يده وتأييده بروح القدس والآيات الإلهية التي جاء بها، كل ذلك كان بمثابة الصدمة الكهربائية وآخر عملية لإحياء هذه الأمة الإسرائيلية ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (14).
فقد حشد الله سبحانه لبيان هذه الحقيقة العيسوية وتأييدها وبيان خصوصياتها ـ  تأكيداً  منه على الدور الريادي والفريد الذي ستقوم به ـ من البينات والآيات الباهرات كماً ونوعاً ما جعله بحق آية ودليلاً واضحاً لا يقبل الشك أو الترديد فكان هو وأُمه آية ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ﴾ (16). ﴿ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً ﴾ (17).
وكان حرياً بهذه الأمة أن تتبعه في كل ما جاء به إتباعاً مميَّزاً كتميَّزه وألا تعصي له أمراً ليسير بها في طريق الكمال ويصل بها إلى أعلى قمم السعادة وذلك لتوفّر الأرضية المناسبة من جميع الجهات وذلك للأمور التالية.
أولاً: وُلد عيسى× من أم تنتمي إلى أُسرة عريقة من أُسر بني إسرائيل (ولأنها [مريم]’ من أسر، معروفة فتنافس علماء بني إسرائيل في تربيّتها) (18).
(مريم بنت عمران بن ماتان ويعقوب بن ماتان وبنو ماتان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم من ولد سليمان إبن داود÷...) (19)، فهو سليل  تلك الأسرة المعروفة بالصلاح والفضل وقد كان جده عمران نبياً. إضافة إلى ما عرفه بني إسرائيل عن أمه قبل ولادته فقد نُذرت لتكون خادمة للعبد وكانت العبادة والتسبيح والتقديس دينها وكانت زاهدة عن الدنيا متبتّلة إلى ربها قائمة ليلها صائمة نهارها. وقد جرت الكرامات الباهرات على يدها فكان هذا شأن الرحم الذي إحتضنه والحضن الذي رباه.
ثانياً: ولادته المعجزة وما جرى من المعجزات البيّنات فيها من تكلّمه× في المهد والمعارف الإلهية الحقة التي نطق بها بما لا يدع مجالاً لأي ريب أو تشكيك في طهارته وعصمته هو وأمه، وكونه نبياً منذ أول مواجهة له مع بني إسرائيل.
ثالثاً: شخصية عيسى× وما نضح من هذه النفس القدسية من نفحات عرفانية يشهد له بها سلوكه وسيرته فأثبت وبجدارة بأنه جزء من السلسلة الإلهية للهداية إلى الصراط المستقيم، السلسلة التي تشير بكل جزء من أجزائها ـ وأجزائها هي كل حقيقة في الكون صُغرت أو كبرت قربت أو بُعدت وإن كان من أظهر تجليّات هذه الحقائق هم الأنبياء^ الذين كَمُلت بهم الحجج الإلهية ﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ  بعد الرسل﴾ (20). 
إلى وجود الخالق المدبر وإلى ضرورة إتباع آثاره وإلتزام تعاليمه وشرائعه. وهو× مع كل ذلك جزء من سلسلة الأنبياء^ الذين يَقتَفي أحدهم بِمَق قبله ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ (21). ويبشر بالذي يأتي من بعده.
رابعاً: تميزت هذه الأمة بأنها أمة حُمّلت التوراة ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ﴾ (22) فعندهم التوراة التي فيها حكم الله ﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ (23)، وفيهم الربانيون والأحبار الذين إستحفظوا من كتاب الله ﴿والربانيّون  وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ (24) وهي أمة معروفة بأنها من أهل الكتاب فهم مَن يدرس الكتاب ويُعلِّمْه للناس ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾(25).
ومن المتوقع لأُمةٍ كهذه ألا تُصدق كل مدعٍ ولا تتبع أي داعٍ، بل يجب لها أن تُخضع أي صاحب دعوة ومدّع بأمر خطير كالأمر الذي إدعاه المسيح× لعدة إختبارات  وأن تمتحنه بما يتناسب مع عظم الأمر الذي يدعوهم إليه وإن تطالبه بما يؤيد هكذا إدعاء ويوصلهم إلى اليقين إلى حقانية دعوته والإطمئنان إلى صدق دعواه فيتبعونه مذعنين ويطيعونه مسلّمين، فمن هذه الإختبارات: ـ
الإختبار الأول: فيما يخص صاحب الدعوة، حيث يجب أن تتوفر شخصيته على ما يؤهلها للقيام بمهمة الدعوة بما يتلائم مع تلك الدعوة، والدعوة هنا هي إلى الله العزيز العليم فلا يدعو إلى الله مَنْ لم يكن طاهر المولد مثلاً وقد ثبت وبالدليل القاطع طهارته وأمه من كل ما يريب ويشين فهي الطاهرة العذراء البتول وهو المتكلم في المهد بتلك الكلمات الناصعات الباهرات.
ويجب أن يتحلى الداعي إلى الله بأعلى درجات التقى وأن يتصف بالأخلاق الحميدة وأن يكون بعيداً كل البُعد عن الرذائل الأخلاقية والصفات الذميمة وهذا ما تثبته سيرة المسيح× بما لا يدع مجالاً لأي ريب أو شك.
الإختبار الثاني: فيما يتعلق بفحوى الدعوة، والتي تلقي بظلالها على شخصية المدعي أيضاً فلقد جاء السيد المسيح ليقول بأنّه ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾(26). وقد جاء الرسل ليدعو الناس إلى التوحيد وإلى عبادة الله الواحد القهار، فيجب أن يحقق هو أولاً حقيقة العبودية ويستشعرها في نفسه وقد قال المسيح× في أول مواجهة له مع بني إسرائيل ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ﴾ ولا ينطق الرسول إلّا ما بما يأمره المُرسِل ولهذا سُمي رسولاً، وسيقول المسيح× يوم القيامة ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾ (27). كما كان قد قاله لهم في الدنيا ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ (28)، فكانت دعوته× كما هي دعوى باقي الأنبياء والمرسلين^ ـ دعوة إلى الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين.
الإختبار الثالث: علاقته بالأنبياء السابقين له، فلا يمكن أن يكون هناك أي تناقض أو إختلاف مهما كان ضئيلاً على أي مستوى كان بين رسالاتهم وما جاؤوا به لأنهم يبلِّغون عن الله الواحد ﴿) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ ﴾ فكان× مصدقاً لكل ما جاء في التوراة من عقائد وتعاليم وتشريع وسنن إلهية وعلوم ربانية.
الإختبار الرابع: العلم، بما إنّ صاحب الدعوة يدعو إلى الله العليم الحكيم، عالم الغيب والشهادة، فإنّ من حق الأمة التي بُعث إليها أن تطالبه بإثبات صدق مُدعاه ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾ (30) وبما إنهم أصحاب علم وأهل كتاب فيجب أن يكون عالماً بالكتاب بما يؤهله لقيادة أمته ولا يصح للجاهل أن يكون قائداً للعالم كما لا يجوز للعالم أن يكون متبعاً للجاهل. ولكن التعلم يمكن أن يكون على نحوين: ـ
النحو الأول: بأن يكتسب المتعلم العلوم عن طريق الإختلاف إلى العلماء والتتلمذ على يدي المؤدب والمربي العالم. 
النحو الثاني: أن يتعلمه مباشرة من الله العليم الحكيم بلا واسطة من بشر مثله فيكون أفضل منه لأنه أُستاذه وهذا النحو الأخير هو ما يليق بالأنبياء والمرسلين^ ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ*وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾.
الإختيار الخامس: موقف ذوي الخبرة والفضل والعلم فإن رفض هكذا أشخاص له يُعد إحباطاً لإدعائه من الأساس بينما يُعد تأييدهم له دليلا  على صدق دعواه ونحن نعلم أن المسيح× كام مسبوقاً بمعصومين ثلاثة وهم زكريا ويحيى ومريم^ وقد بلغ تأييدهم له مراتب سامية ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ ﴾ (31) بل كانوا هم الدعائم الإساسية لدعوته والمساندين له. (كما ذكرنا ذلك بالتفصيل في مقالات سابقة عند الحديث عنهم (صلوات الله وسلامه عليهم) فراجع).
الإختبار السادس: مطالبته بالآيات والبينات التي تثبت صدق دعواه، فصاحب دعوة النبوة يقول بأنّه مبعوث من الله سبحانه الخالق القادر فيجب أن يأتي بما يعجز عنه المخلوقين مهما كانت قدرتهم وسلطانهم فشتان بين الخالق والمخلوق، فهو سبحانه مسبب الأسباب، فإذا تعلّقت مشيئته وإقتضت حكمته فهو قادر على الإتيان بأي شيء خارج الحدود والقوانين التي وضعها هو، فهو القادر على ما يشاء ولا قادر بالأصالة سواه. وقد كانت الآيات والبينات التي جاء بها عيسى بن مريم (على نبينا وآله وعليه السلام) من الوضوح وعمق الدلالة وعدم إمكانية اللبس والشك ما حدا بالبعض إلى تأليهه  ـ والعياذ بالله ـ ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ﴾(32) ﴿ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ﴾ (33).
نكتة هامة: كما إنّ إختيار الله سبحانه وتعالى لعبد من عباده ليقوم بدور النبوة أو الرسالة يعد لوحده دليلاً على وصوله إلى مرتبة ومقام سامٍ يُؤهّلُه لهكذا منصب فإنّ إختيار الله سبحانه للآيات التي تجري على يديه يدلنا على أمرين. 
الأول: مقامات خاصة تتناسب مع تلك الآيات.
الثاني: تناسب الآيات مع القوم الذين يريد الله أن يذعنوا ويقروا بأنّها من الله سبحانه ومن جهة أُخرى تناسبها مع عظم وخطورة الإدعاء الذي يريد أن يوصله لهم صاحب هذه الدعوة، وتناسبها مع البرهة الزمنية وخصوصية المجتمع والأهم من هذا كله كفايتها وأهليتها لهدايتهم ما لم تمنعهم موانع من إتباع الهوى وغواية الشيطان فيكون المهتدي قد إهتدى بها والضال لا يلوم إلّا نفسه على سوء عاقبته لأنها لا تكون عندئذ إلّا بسبب سوء إختيارهم ﴿ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً ﴾ (34).
الإختبار السابع: موقف الله سبحانه وتعالى من هذا الرسول، من حق الناس إذا جاءهم مدعٍ يدعي النبوة والسفارة الإلهية أن يرقبوا فعل الله سبحانه به فهو الذي لا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض وإن من يدعي إدعاءً عظيماً كهذا فهو إمّا أن يكون صادقاً أو كاذباً فإذا كان كاذباً فإنّ الله سبحانه سيفضحه ويُنكِّل به لأنّ الله سبحانه وتعالى أوّلى بالدفاع عن دينه من غيره وإن كان صادقاً فسيؤيده وينصره ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ (35)، فماذا كان من أمر عيسى×؟ لاشك بأن الله سبحانه وتعالى قد أيده ولكن بأي درجة من درجات التأييد؟ نحن نجد أنّ الله سبحانه قد أيده بأرقى درجات التأييد فبالإضافة غلى تأييده بثلاثة معصومين كما قدمنا فإنّه سبحانه قد أيده بروح القدس ﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ (36). ﴿ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ﴾ (37).
إضافة إلى إختبارات أخرى يمكن أن يكون المجتمع الإسرائيلي قد قام بها وحيث أننا لم نشهدها فلا نستطيع أن نتصورها ﴿ ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾(38) ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (39) وإنّما نعتمد على الأخبار الغيبية التي جاء بها الوحي الأمين على لسان النبي المختار‘ على كل حال فإنّ الإختبارات التي توصل إلى الإطمئنان بل والقطع واليقين أجريت على هذا الرسول العظيم وخرج منها جميعاً مرفوع الرأس عالي الهامة متوّجاً بتاج العز والكرامة مؤيداً من العزيز الجبار الذي له ملك السموات والأرض، فهو الطاهر المطهر ذو الحسب والنسب الناصع الشريف، وهو عبد الله ورسوله الكريم، وهو الصادق المصدق ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (40). وهو الداعي إلى ما دعى إليه من سبقه من الأنبياء والرسل من قبله فلا تناقض ولا إختلاف بل هو المصدق لهم وهو المُعلَّم من الله العليم الحكيم وهو المُؤيَّد من السماء وما جاء به من البينات والآيات واضحة وباهرة تفوق حد التصور وتثبت بما لا يقبل أي ترديد أي إدعاء خطير يمكن أن يدعيه صاحبها وهو× لا يفتأ يردد بأنّه ما جاء بها إلّا بإذن الله وأنّه عبد الله يأمره فيتمثل وإنّه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً إلّا بإذن الله. وهنا يأتي دور هذه الأمة، كيف سيكون موقفها منه؟ وماذا ستكون ردة فعلها أمام هذا الرسول العظيم؟
وهل ستتصرف معه بما يتلائم والمعجزات التي جاء بها؟ نترك الإجابة على هكذا تساؤلات إلى مقالة لاحقة بإذن الله تعالى.
مسك الختام:
نريد هنا أن نبيّن ثلاث مقدمات تذكرها النصوص الشرعية المرتبطة بالمسيح× لنصل منها إلى ثلاثة نتائج:ـ
المقدمة الأولى: أن المسيح × كان رحمة من الله سبحانه ﴿ وَرَحْمَةً مِنَّا ﴾ (41).
المقدمة الثانية: أن المسيح× كان رسولاً لبني إسرائيل ﴿ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾.
المقدمة الثالثة: أن المسيح × له إرتباط وثيق بالنهضة المهدوية حيث إقترن الإسمان الشريفان كما إقترن زمن الظهور بالزمن الذي سينزل فيه المسيح× من السماء.
ونحن نريد هنا أن نخرج بنتائج تتلائم مع بحثنا السابق.
النتيجة الأولى: كيف نفهم الرحمة الإلهية المتمثلة بوجود المسيح×؟ إذا قرّنا بين المقدمة الأولى والثانية فسنجد أن الله سبحانه رَحِم بني إسرائيل بالوجود العيسوي، حيث أدى إتباع من أتبعه منهم إلى نيلهم السعادة الأبدية في زمان وجوده× بينهم وبعد رفعه إلى السماء حتى حين بعثة النبي‘ فقد كانوا يتبعون الحجة الإلهية بإقتفائهم لتعاليم التوراة والإنجيل فلما حان موعد تحقق البشارة العيسوية وجاء وقت الإمتحان الإلهي لهم ودعاهم النبي‘ إلى الإسلام نجد أنّ كثيراً منهم قد أثرت فيهم الدعوة النبوية وآمنوا بالنبي الأمي ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (42). فكانوا  أقرب إلى الإيمان والمودة للذين آمنوا من غيرهم ﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ*وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ* وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ﴾.
النتيجة الثانية: إذا رتّبنا المقدمة الأُولى مع الثالثة فسنجد أن الطائفة التي لم تؤمن منهم فإنّّ الله سبحانه سيَمُن على مَن به الأهلية منهم عند ظهور الإمام المهدي# ونزول المسيح× وصلاته خلفه حيث أنّ الكثير منهم يتوقعون المنجي وينتظرونه بل إذا ضممنا المقدمة الثانية إلى هاتين المقدمتين فإنّ كثيراً من اليهود سيهتدون  إلى الحق في ذلك الزمان أيضاً لأنّهم ينتظرون المسيح ويعتقدون بأنّه لم يُبعث بعد ﴿) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ﴾ (44).
النتيجة الثالثة: إذا ضممنا المقدمات الثلاثة إلى بعضها، وجدنا أنّ زمن بعثة المسيح× يشبه في بعض الوجوه زمن الظهور ـ جعله الله تعالى برحمته قريباً ـ ومن هذه الوجوه أنّ بني إسرائيل كانوا ينتظرون المنجي والموعود ولكنهم وقعوا في اللبس والحيرة وكادوا أن يضلوا لأنّهم لم يعملوا بما كان عليهم العمل به، فالله سبحانه الرحيم لا يريد بعباده إلّا الرحمة والخير ولكنهم يستعجلون بعض الأحيان ويخطأون الإختيار أحياناً أُخرى ولا يعملون بواجباتهم وو... فماذا يجب علينا نحن ـ في زمن الغيبة ـ أن نعمل؟ إذا ضممنا مقدمة أُخرى ألا وهي: إنّ القرآن نزل للعبرة وضرب الأمثال للهداية وتقريب الفكرة للأذهان، نجد أنّ تكليفنا واضح فالمطلوب منا الآن ليس ترتيب الأحداث والإستعجال إلى حد التصديق بكل داعٍ وأتباع كل ناعٍ وإلّا سنقع في الحيرة وستكون نهايتنا ـ والعياذ بالله ـ الضلالة فليس في مقدور الإنسان أن يختار الآيات وإنّما الآيات يختارها الله سبحانه وإذا أتت الآيات الإلهية فهي آيات واضحة باهرة ـ ولهذا سميت آية ـ فيجب علينا ألا نقترح على الله سبحانه وأن نعتبر في ذلك بما جرى على بني إسرائيل وأن نطلب منه سبحانه أن يسددنا ويثبتنا ويلهمنا ما ينفعنا في ظرفنا الراهن لنخرج من هذا الإمتحان الإلهي ـ الغيبة والإنتظار ـ مرفوعي الرؤوس مبيضي الوجوه وما توفيقنا إلّا الله.
(الهوامش)
1 ـ إبراهيم: 4.
2 ـ مريم: 30.
3 ـ الصف: 6.
4 ـ الأعراف: 157.
5 ـ الأنبياء: 105.
6 ـ آل عمران: 64.
7 ـ البقرة: 285.
8 ـ راجع صحيح مسلم والبخاري وغيرها.
9 ـ دعاء السمات: مفاتيح الجنان.
10 ـ آل عمران: 110.
11ـ الأعراف: 137.
12 ـ آل عمران: 112.
13 ـ المائدة: 78 ـ 79.
14 ـ الأنفال: 42.
15 ـ المؤمنون: 50.
16 ـ الأنبياء: 91.
17 ـ مريم: 21.
18 ـ قصص الأنبياء^ ـ فاضل الكرباسي ـ ص329.
19 ـ النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين ـ السيد نعمة الله الجزائري ص398 نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم.
20 ـ النساء: 165.
21 ـ الجمعة: 5
22ـ المائدة: 44.
23 ـ المائدة: 43.
24ـ المائدة: 44.
25 ـ آل عمران: 79.
26 ـ المائدة: 75.
27 ـ المائدة: 117.
28 ـ المائدة: 72.
29 ـ المائدة: 46.
30ـ آل عمران: 49.
31 ـ آل عمران: 39.
32 ـ البقرة: 253.
33 ـ آل عمران: 49.
34 ـ نوح: 25.
35 ـ غافر: 51.
36ـ البقرة: 87 ـ 253.
37 ـ المائدة: 110.
38 ـ آل عمران: 44.
39 ـ القصص: 44 ـ 46.
40 ـ المائدة: 119.
41 ـ مريم: 21.
42 ـ الأعراف: 257.
43 ـ المائدة: 82 ـ 84.
44 ـ النساء: 159.