بعد اجتياح الطاغية صدام للكويت في آب عام 1990 اشتعلت في الخليج حرب كان من نتائجها طرد صدام وجيشه من قبل أمريكا اوائل عام 1991 وهوالذي الهب الشارع العراقي بالرفض للحكومة البعثية بلغ درجة الإنتفاضة فاستفاق الشعب على دوي الهتافات في أغلب مدن العراق بجنوبه وشماله بانتفاضة عارمة أطلق عليها انتفاضة شعبان، إلا أنها ولأسباب مختلفة سحقت هذه الإنتفاضة وبوحشية مفرطة من قبل صدام وجلاوزته حتى وصل الحال أن لم يبق للمنتفضين سوى الهروب والهجرة إلى خارج العراق.

وقد قدمت إلى سدني العاصمة الإقتصادية لأستراليا كما يقولون، ووطأت قدماي أرض سدني بدعوة من أخي الدكتور محمد طه السلامي في عام 1994 وكنت من مهاجرين كثيرين من العراقيين جاءوا إلى سدني وكنت أسكن في بيت أخي قرابة السنة حتى جاءت عائلتي فانتقلت إلى دار مستقلة، وكان العراقيون قد تجمعوا وهم كثيرون في المنطقة الغربية من مدينة سدني  -أوبرن- ولم يكن مركز إسلامي واحد يجمعهم ليمارسوا فيه نشاطاتهم الإسلامية والكل يشعر بهذه الحاجة ما عدا جامع الزهراء المركز العربي الوحيد ولكنه في منطقة أرنكلف قرب المطار والذي استقطب بعضاً من حضورنا فيه إلا إن الهم والحاجة لمركز أقرب أوآخر في سدني قد أحسه الكثير ومنهم أخي الدكتور محمد طه السلامي الذي كان يسعى لنشاط إسلامي بصبغته الشيعية العراقية التي عاش معها مشاعر أحبها وتعلق بها يكون محورها أهل البيت^ وبالخصوص المجلس الحسيني وكان التحرك الأول لأخي الدكتور أبي علي السلامي فقد ذهب إلى صديقه المستبصر المرحوم الدكتور عثمان علي أخصائي الصحة النفسية الذي كان يملك أكثر من دار فأعطاه الرخصة باستغلال إحدى دوره في منطقة بانكستاون لإقامة العزاء على سید الشهداء الإمام الحسين×وهذه كانت الخطوة المهمة في بداية نشاط إسلامي فعّال، وهي بجهود أخي الدكتور السلامي لتكون الخطوة التالية هي توفير باص كان يملكه الدكتور عثمان علي أيضا أجاز الإستفادة منه في ليالي الجمع أي الخميس ليلاً وأدت إلى حضور العراقيين لأنهم كانوا حديثي عهد بالمدينة ولم يعرفوا طرق المدينة ولم يمتلكوا السيارات، فكانت هذه الخطوة توفير السيارة عامل مهم لاشتراك الكثير في هذا المجلس وبروز نشاط إسلامي شيعي وفّي للجميع المشاركة بنشاط كان الجميع يبحث عنه، إضافة إلى بروز أشخاص كان لهم المشاركة في نجاح هذه النشاطات فمن المنسّقين لهذا العمل الشيعي الإسلامي الاول للعراقيين هم: الأخ حسين علي جعفر الحرز (أبوحيدر) الاخ عدنان الركابي الأخ طالب المثاجي (أبوعباس) فدوره تجميع العراقيين أما الأخ أبوتاج فهوالذي كان عليه سياقة السيارة أوالباص الصغير إلى مجلس العزاء في بانكستاون وقد استمر هذه النشاط وإقامة العزاء الحسيني إلى ما يقارب السنة اوالأكثر، وهوالذي وَلّد عند الآخرين الإهتمام بانشاء جمعية أومؤسسة لاحتواء الوجود العراقي في المهجر، حتى برز إلى الساحة الإجتماعية أول الأمر جمعية النور التي كان خلفها المرحوم سالم الصمياني والأخ سلمان الفهد، ولكن لم يتحقق لها النجاح المناسب بين العراقيين. وكذلك برز نشاط آخر من قبل الأخ عبد الخالق الحمدي (أبوغيث) بتأسيس جمعية أطلق عليها – جمعية المصطفى- كان أكثر منتسبيها من مناطق جنوب العراق، حققت نجاحاً محدوداً في الساحة العراقية وكذلك في الساحة العربية للنشاط الذي كانوا يقومون به، وهوالدّعوة السنوية للإحتفال بالإنتفاضة الشعبانية العراقية المشهورة في النصف من شعبان، ولا زال لحد اليوم ممارسة هذه النشاط.

وسارت عجلة الأيام واللاجئ العراقي كبقية اللاجئين وفي سدني تطوّر حاله المعاشي والحياتي وترقی حالنا الديني والثقافي فتأسست المراكز الإسلامية المتعددة واصبحنا نحتظي بمجال أوسع في ممارسة نشاطاتنا الإسلامية الشيعية ووفقنا مع جهود الآخرين ان يكون سهم بقدرنا في الحياة الدينية الإجتماعية الإسلامية التي نعيش فيها وكان أخي الدكتور محمد طه السلامي له التأثير الكبير في نجاح النشاطات ومساعدة العراقيين.

وعشنا مرحلة تأسيس مصلّى السّجاد كما يسموه أوالمركز الإمام السجاد× في منطقة أوبرن كأول مركز لإقامة صلاة الجماعة وإقامة الإحتفالات الدينية الخاصة كولادة ووفاة الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، وتشكّلت الجماعة في هذه المركز وكان إمام الجماعة الأول فيه هوالسيد محمد مشكور الذي قدم إلى سدني من رفحة أيضا والتي استمرت إمامته للمصلين لفترة طويلة وقد قدم أستراليا في ذلك الحين الشيخ حسن السلامي أيضاً لإقامة صلاة الجماعة في مصلّى السّجاد لكن الأمور تغيرت فاضطر إلى مغادرة أستراليا إلى أيران والإستقرار في مشهد قرب مرقد الإمام الرضا× في خراسان.

ودارت عجلة العمل الإسلامي في مصلّى الإمام السجاد× أبرزها صلاة الجماعة، وإحياء المناسبات، وقد أحسّ العاملين برعاية سماحة السيد هاشم نصرالله إمام مسجد الزهراء عليها السلام في أرنكلف وهي الرعاية المبكرة الاولى التي أحس بها وبدعمها الأخوة العاملون القائمون على مصلى السجاد. ومرت الأيام وقدم إلى سدني سماحة الأخ الشيخ محمد ناجي الصمياني وبعد جلسة حوار ارتأى الأخوة في مصلّى السّجاد الانضواء تحت المركز الجديد الذي أُنشأ، وهومركز أهل البيت الأسترالي الذي نهض باعباء النشاط الإسلامي من صلاة الجماعة بإمامة الشيخ الصمياني وبإلقاء المحاضرات وإقامة المجالس الحسينية طوال أيام السنة، وكان الذي يعينه في ذلك سماحة الشيخ الدكتور عبد الجبار شرارة رحمه الله وكذلك الشيخ حيدر الصمياني وظلّ المركز بالقائمين عليه يمارس نشاطه الإسلامي إلى يومنا هذا وازداد العدد أكثر مما اضطر العاملين إلى اعادة نشاط مصلى السجاد ليستوعب الكثرة في اعداد العراقيين واعيدت نشاطاته كما هي نشاطات المراكز الإسلامية والحسينيات التي كثرت في مدينة سدني ويعتبر الشيخ محمد حسين الأنصاري الراعي الأبوي لمركز الإمام السجاد ×.

واستمر انشاء المراكز الإسلامية الشيعية العراقية في سدني وفي بقية المناطق الأسترالية وكأنما دخلنا مرحلة جديدة المفروض ان ندرك ما تميزت به فكثرت المراكز الإسلامية العراقية وفعاليات أخرى للجالية العراقية في مدينة سدني وكذلك في باقي مناطق القارة الأسترالية، وثمَّ الظروف التي شكّلت كيفية تكونها وقيامها وبروز نشاطها والجهود التي كانت خلف ذلك، إنما هوتاريخ يفرض على أصحابه تدوينه وكتابته فهوحقبة زمنية عاشها العراق بعيداً عن بلده، وقد واجه الظروف المختلفة التي أحاطت به من معاناة ومكابدة تمَّ نجاحه في بناء حياته الجديدة وتموين جيل عراقي لم يتخلى عن عقيدته وانتمائه بالرغم من قساوة الغربة لذا كانت فكرة أن نؤرخ للعمل الشيعي الإسلامي في أستراليا بمن قام به ونهض والظروف التي يمكن تدوينها إليه. رافقت هذا البناء فكرة راودت الدكتور محمد طه السلامي دام عزّه ودامت أیامه وهوأحد أبرز الوجوه ومن الأوائل الذين سكنوا في أستراليا البحث عن دليل وفهرست للمراكز الشيعية الإسلامية في سدني بالتحديد وفي العموم في أستراليا بعد ان كان مركز واحد فقط وهوجامع الزهراء عليها السلام لذا كلفني أخي الدكتور السلامي بهذا العمل والقيام بزيارة كل من المراكز والإستفادة من معلومات القائمين عليها، وتدوين كلّ ما يمكن تدوينه وأبرز الفوارق المهمة لما أضحى عليه الحال بعد أكثر من ثلاثين سنة من عمل وجهد وقد قمت بتدوين ما وردني من معلومات عن النشاطات المختلفة من قبل مسؤولي المراكز أنفسهم واخذت بعين الإعتبار الحيادية في نقل المعلومات والصّور عن المراكز الإسلامية الشيعية العراقية وغير العراقية باعتبار أن كل المراكز والمؤسسات الشيعية تصب في تقوية الجسم الشيعي هنا في بلد الخير أستراليا، وقد دوّنت المعلومات بحسب ما وردنا من معلومات ونشاطات وغير ذلك مما يمكن أن يكون ذا فائدة في نقله وتدوينه من مسؤولي المراكز أنفسهم، لذا تجد المعلومات قد تكون وافرة مفصلة عند بعض المراكز وأخرى لا تعدوكونها معلومات بسيطة. ولابد أن أقف عند بعض المعلومات التي لم يتسنَّ لي من خلال فصول الكتاب الإشارة إليه.

فمن جملة النشاطات الكثير للجالية الإسلامية التي يعضد بعضها البعض الآخر هي أن أوّليات حملات الحج لبيت الله الحرام ولسنوات عديدة من الثمانينات وتكاد تكون الوحيدة هي حملة الحاج صلاح حمود وحملته المعروفة بحملة الزهراء عليها السلام أما الآن وبنظرة فاحصة بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة أصبحت الحملات لأداء الحج في بيت الله الحرام تعد بالعشرات وفي كل ولايات أستراليا بعد ما كانت مقتصرة على سدني فقط.

ومن جملة النشاطات الجديرة بالذكر هوتحرك الحاج حميد الدراجي (أبوفاطمة) واندفاعه لإصدار اول صحيفة سياسية أدبية مستقلة منذ أكثر من عشرين سنة، بالرغم من عدم انتظام أوقات صدورها ولكنها تبقى الوحيدة التي حملت هم المعلومة السياسة والثقافية ليس فقط بين الجالية العربية الشيعية في المهجر، والسبب أن الحاج حميد الدراجي يعد من الأدباء والشعراء المرموقين ومن مثقفي النجف.

ومن النشاطات التي تعد من الاحداث المهمة في حياة الجالية الشيعية العراقية والعربية هوإنجاز الشاب المؤدب الدكتور عبدالخالق حمدي (أبوغيث) إذ قام بافتتاح إذاعة أهل البيت^ باللغة العربية بامكانات تسمح للجالية العربية الشيعية ان تتمتع على طول أيام السنة بالبرامج الدينية والثقافية والإجتماعية والمحاضرات والمجالس الحسينية كما أنها في شهري رمضان ومحرم ولكي تكون مسموعة أكثر  وبفعالية أكبر فإنها تبث من موجة إذاعية تؤجر على FM من قبل العراقيين القائمين على الإذاعة، وقد كان بداية بث إذاعة أهل البيت^ بحدود عام 2008 وكان لي شرف من عمل تطوعاً فيها من الأوائل في برنامج لإجراء المقابلات العديدة مع الشخصيات الشيعية في سدني.

وعلى كل حال ما أردناه في هذا الكتاب المتواضع بين يدي المهتمين بالنشاط الإسلامي والشيعي هوليكون دليلاً بسيطاً يعرف بالنشاطات التي قام بها أناس حقّقوا فيها إنجازات أوحققتها الجالية الشيعية العراقية بوجه خاص، وكذلك الجاليات الشيعية بوجه عام في القارة الأسترالية، وكذلك هوتجربة نقدّمها لتكون محفزاً للآخرين في بلاد المهجر، لتكون لهم المهمة أن يعرفوا للناس بنشاطاتهم في بلاد مهجرهم. شكرنا المتواصل لكلّ من ساهم ودعم حتى ولوبكلمة لإظهار هذا الكتاب بالشكل والمضمون والمحتوى والله ولي التوفيق.

تنویه: وصلتنا هذه الرسالة توّاً وإرتأینا نشرها في هذا العدد إذ انه من قبل نشرنا مقالة للحاج الفاضل الدكتور طه السلامي حول المراكز الشیعیة في أسترالیا في العدد السابق كما صار بعد ذلك كتاباً مصوّراً فنشكر الأخوین السلامیین علی رفدهم لمجلتهم (الكوثر) كما نشكر كلّ من ساهم مادیاً ومعنویاً وعلمیاً ونسأل الباري لنا ولهم ولكلّ القراء الكرام التوفیق والتسدید.

.المجلة.

الصفحة السابقة الصفحة التالية فهرس الكتب