کلمتنا

.:: أهّم عوامل بقاء الدّولة وزوالها - 2::.

يشير أمير المؤمنين علي× إلى العوامل الأساسيّة في بقاء إمارة أو دولة أو زوالها، نذكر ذلك حسب النقاط التالية:

... 15 ـ (قوّة سلطان الحجة أعظم من قوة سلطان القدرة) فإنّ القائد العاقل والحكم الذي تتجلّى بقوة البرهان والمنطق، فإنّ كلمته أنفذ في القلوب والنفوس من سلطان القدرة، وإنّ الصلاح أقوى من السلاح.

16 ـ (لكل إقبال إدبار) فعلى السلطان المقتدر بقوتي الحّجة والسلاح أن يفكّر في أدبار دولته، فيعدّ العدّة الحسية في إقبالها ليوم إدبارها،فإن (كلّ ذي رتبة سنيّة محسود) و(لكل مقبل إدبار) و(ما أدبر كأن لم يكن) وإن (لكل مصاب اصطبار) فإنّ الدنيا في صعود وهبوط، تُقبل وتُدبر، وتُدبر وتُقبل، فالرابح العاقل من فكّر وتدبّر وأعدّ وإستعدّ وحمل زاده ليوم معاده، (لربما أقبل  المدبر وأدبر المقبل) (لكل أمر عاقبة حلّو أو مرّ) (لكل دولة برهة).

17 ـ (لكل ناكث شبهة) فالأمير صاحب الحجّة عليه أن يرفع الشبهات والأوهام، فإنّه من ينكث عهده ويخون بيعته، ربما لشبهة شيطانية حصلت له، فيلبس الحق بالباطل ،فينفض عهده وينكث ميثاقه، فعلى السلطان أن يتحذّر من الشّبهات ،ويرفعها قبل إنقلاب الأمر عليه، وثورة الناس ضدّه.

18 ـ (من قلّت مخافته كثرت آفته) فمن من لم يتحذّر في الأمور ويتهوّر فيها، فإنّه يكثر آفاته، فالسّلطان الكيس الفطن يحسب لكل شيء حسابه الخاص، ويتخوّف في كل صغيرة وكبيرة حتى يكون على حذرٍ تام.

19 ـ (من تكبّر في ولايته كثر عند عزله ذلّته) فإنّ التكبّر من الصفات الذميمة، ومن الوالي أكثر مذمةً ،فالوالي المتكبّر على رعيته والمتجبّر في حكومته ،يكثر ذلّته عند عزله من المنصب، لأنّه كما مرّ ،الدنيا تقبل وتدبر و(الذل بعد العزل يوازي عزّ الولاية): (ساعة الذّل لا يفي بعزّ الدهر).

20ـ (من احتال في ولايته أبان عن حماقته) فإنّ التعامل مع الناس إذا كان عن حيلة ومكر وخدعة ـ كما هي حقيقة السياسية الشياطينيّة المتمثّلة في هذا العصر في كل الدّول غير الإسلاميّة وعملائهم في البلاد الإسلامية، فإنّه يخبرنا عن حماقته، فإنّ الأحمق يدع الصدق والصفاء والحقيقة ويتمسك بالمكر والحيلة.

21 ـ (من لم ينصف المظلوم من الظالم سلبه الله قدرته) فإنّ السلطان المقتدر إنّما أودع الله فيه قدرته ،ليأخذ حقّ المظلوم من الظالم، فإذا لم يعمل بمسؤوليّته ،ويتخلّى عن وظائفه ،فإنّ الله يسلب منه القدرة والسلطنة، فنعمة السلطنة والدولة لابّد أن تشكر ،ومن شكرها إنتصاف المظلوم من الظالم ومن كفر فإنّ الله يسلب منه النعمّة وإنّ عذاب الله لشدید.

22 ـ (من كثر إعتباره قلّ عثاره) فإنّ الحياة دروس وعبر، ومن يكثر إعتباره بالحوادث التي تمرّ عليه، فإنّه يتحذّر ويتعامل بكل إحتياط ،ويفكّر في عاقبة الأمور فتقلّ عثرته وخطأه، إذ لازم كثرة الإعتبار قلّة العثار.

23 ـ (من جعل ملكه خادماً لدينه إنقاد له كل سلطان)، فإنّ الملك وصاحب دولة ،إنّما يوفّق في حياته ورياسته ويفوق أقرانه وسلاطين زمانه ،إذا إستخدم ملكه ودولته في سبيل دينه، وهذا يعني أن تكون دنياه لدينه لا دينه لدنياه، وثمرة ذلك أن ينقاد له كل سلطان وملك، فالدولة التابعة للدين والمطيعة لرب العالمين ،هي التي يدوم سلطانها ،وتحكم العالم ويطمح فيها كل إنسان، كما هي دولة المهدي× في آخر الزمان ،ولكنّ (من جعل دينه خادماً لملكه طمع فيه كل إنسان) و(لا يترك الناس شيئاً من أمر دينهم لإستصلاح دنياهم ،إلّا فتح الله عليهم ما هو أضرّ منه) (من تهاون بالدين هان ،ومن غالب الحق لان).

24 ـ (من زاده الله كرامة فحقيق به أن يزيد الناس إكراماً)، فإنّ الله لحكمة ربانيّة يفتح على شخص أبواب الخير والبركات فمن الحق على مثل هذا الإنسان أن يزيد في إحسان الناس ويكرمهم، و(من ظنّ بك خيراً فصّدق ظنّه) و(من رجاك فلا تخيّب أمله).

25 ـ (الملوك حماة الدين)، فإنّ المَلك الصّالح ـ ونقصد بالملك من كان بيده زمام الأمور أعم من أن يكون الملك المصطلح أو رئيس الجمهورية أو الوالي ووليّ الأمر ـ هو الذي يحمى الدين من الضياع وهجوم الأعداء.

26 ـ (الأمير الجاهل يصطنع البذي) فقد ذكرنا أنّ الأميرلابّد أن يكون عاقلاً في إدارة حكومته وإمارته ،وإلّا فإنّ الجاهل يصطنع العمل الردئ، وأنّ من يجهل حقائق الأمور ،فإنّه يعطي معروفه ،ويكرم من يتلفّظ بالفحش والكلام البذئ.

27 ـ (من حقّ الرّاعي أنّ يختار لرعيته ما يختاره لنفسه) فما لا يرضاه لنفسه من الظلم والجور، كيف يرضاهما لرعيته.

28 ـ (من إمارات الدّولة التيقظ لحراسة الأمور) فإنّ الدولة الناجحة في سياستها لا تأخذها الغفلة والسّنّة والنوم فيما يجري حولها، بل بكل يقظة وتحذّر تراقب الأمور كالحارس المراقب من حملة اللصوص وهجمة السّراق.

29 ـ (من كمال السعادة السعي في صلاح الأمور) فالأمير السعيد في إمارته إنّما يصل إلى كمال سعادته ،إذا جهد نفسه وسعى في صلاح أمور دولته، وبذل كل ما في وسعه من أجل إصلاح أمور الناس.

30 ـ (سُكر الغفلة والغرور أبعد إفاقة من سُكر من الخمور) فإنّ من يصل إلى الحكم سرعان ما يصاب بسكر الغفلة ويغتر بملكه الزائل، وما أصعب وأبعد من أفاقته وتيقّظه قبل زوال دولته، فإنّ الدولة عند أهل المعرفة بحكم (البولة) ـ كما في قصة هارون الرشيد مع الواعظ ـ وأسباب الغفلة أمور منها: غرور القدرة والدولة، ومنها: العِدّة والعُدّة والقوة والبطشة ،ومنها كثرة المال والوجاهة والمنال، ومنها: الحسب والنسب، ومنها :حسن الجمال وقوة الشباب ،والعاقل البصير لا يغتر بدولته لأنها كما أقبلت فسرعان ما تدبر ،كما لا يغتر شجاعته وقوته ،فإنه بين ليلة وضحاها يفقد الشجاعة والعِدّة والعدّة، وأمّا المال فـ ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ (دنياكم هذه أهون في عيني من عُراق خنزير في يد مجذوم) وأمّا الحسب ،فمن دون فضيلة العلم والأدب لا قيمة له يوم لا إحساب بينهم ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ ﴾ ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ﴾ والناس سواسي في أصل خلقتهم، فكلّهم من آدم وآدم من تراب، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود ،إلّا بالتقّوى، وأمّا الشباب وحسن الجمال فما أسرع زوالهما.

ثم التفاخر إنّما لأهل العلم كما قال أمير المؤمنين× (ما الفخر إلّا لأهل العلم أنهم هم الهدى لمن إستهدى أدّلاء) فالفخر لهم وإن لم يتفاخر ،والتواضعهم وعلمهم ومعرفتهم بحقائق أنفسهم، فالعالم حقاً من يستخدم علمه في إصلاح نفسه ومجتمعه، وإلّا فكما ورد في الخبر الشريف (أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه).

.المشرف العام.

وللکلام صلة إن شاء الله...

الصفحة التالية فهرس الكتب