حديثنا صعب مستصعب:

1 ـ (إنّ حديثنا صعب مستصعب، لا يتحمّله إلّا نبي مرسل أو ملك مُقرّب، أو مؤمن إمتحن الله قلبه بالإيمان).

وقد بعث الله مأة وأربعة وعشرون ألف نبي، والمرسلون منّهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، والملائكة المقربون منهم جبرائيل وإسرافيل وميكائيل وعزارائيل، والمؤمن الممتحن كسلمان المحمدي منّا أهل البيت، فمثل هؤلاء يتحملون أحاديثهم وأمرهم وعلومهم الخاصّة.

2 ـ وعن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين علي× قال: سمعته تقول: أنّ حديثنا صعب مستصعب، خشن مخشوش، فبانبذوه إلى النّاس نبذاً، فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا، لا يحتمله إلا ثلاث: ملك مقرّب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن إمتحن الله قلبه للإيمان.

3 ـ وعن أبي بصير قال: أبو جعفر×: حديثنا صعب مستصعب لا يؤمن به إلّا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد إمتحن الله قلبه للإيمان، فما عرفت قلوبكم فخذوه، وما أنكرت فردّوه إلينا.

4 ـ وعنه× أيضاً، قال: أنّ حديثنا صعب مستصعب أجرد، ذكوان، وعر، شريف ، كريم، فإذا سمتعم منه شيئاً ولانت له قلوبكم فاحتملوه وأحمدوا الله عليه، وإنّ لم تحتملوه ولم تطيقوه فردّوه إلى الإمام العالم من آل محمد|، فإنّما الشّقي الهالك الذي يقول والله ما كان هذا، ثُمّ قال: يا جابر إنّ الإنكار هو الكفر بالله العظيم.

5 ـ وعن يحيى بن سالم الغرّاء قال: كان رجل من أهل الشام يخدم أبا عبد الله× فرجع إلى أهله، فقالوا: كيف كنت تخدم أهل هذا البيت فهل أصبت منهم علماً، قال: فندم الرّجل فكتب إلى أبي عبد الله× يسأله عن علم ينتفع به، فكتب إليه أبو عبد الله×: أمّا بعد: فإنّ حديثنا حديث هيّوب، ذعور، فإن كنت ترى أنك تحتمله فاكتب إلينا، والسّلام.

6 ـ وعن يونس عن سُليمة بن صالح رفعه إلى أبي جعفر× قال: إنّ حديثنا هذا تشمئز منه قلوب الرجال، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنّه لابدّ من أن تكون فتنة يسقط فيما كل بطانة ووليجة، حتى يسقط فيها من كان يشقّ الشعر بشعرتين، حتى لا يبقى إلّا نحن وشيعتنا .

7 ـ إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا نبي مرسل أو ملك مقرب ومن الملائكة غير مقرب... إنّ حديث آل محمد| صعب مستصعب ثقيل، مقنّع، أجرد، ذكوان، لا يحتمله إلّا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد إمتحن الله قلبه للإيمان، أو مدينة حصينة، فإذا قام قائمنا نطق وصدّقه القرآن.

قارئ هذه الأحاديث الشريفة المستفيضة وغيرها في هذا الباب سيقف على مجموعة من الدلالات والمعاني السّامية المتعلقة بأحاديث وعلوم أهل البيت^، الصّادرة من منبع الرّسالة وبيت الوحي والنُّبوة ومعدن العلم والحكمة، ولا سيما عندما يقف على مفرداتها وما ورائها من العلوم والمعارف، إلّا أنّ القدر الجامع بينها، أن أحاديث أهل البيت^ من الصّعب المستصعب، فلا يُطيقه كلُّ واحدٍ سواء من ملائكة السماء، أو أنبياء الأرض، أو عباد الله الصالحين، إلّا النُّخب من كلّ طائفةٍ، كالملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين، وعباد الله العارفين الممتحنين الفائزين، فمثل هؤلاء يفهمون ويدركون ويفقهون معاني أحاديثهم الرَّقيقة والدَّقيقة، التي هي أحدّ من السَّيف، وأدقّ من الشَّعرةِ كالصّراط المستقيم، فتتصف أحاديثهم بمثل هذه الأوصاف الثقيلة:

1 ـ صعب. 2 ـ مستصعب. 3 ـ ثقيل. 4 ـ مُقنّع. 5 ـ أجرد، 6 ـ ذكوان. 7 ـ فتنن. 8 ـ مشوش، وعِرٌ. 10 ـ شريف. 11 ـ كريم. 12 ـ هيوب. 13 ـ ذعور.

ثم في آخر الزمان لابدّ أن تكون الفتن والمحن والبلايا، ولا سيما في العقائد، وربُّما علّامة زمانه، مَن يشقُّ الشَّعرة إلى شعرتين في العلوم والفنون، إلّا أنّه يسقط في هذه الفِتن ويضيع ويضمحّل، فلا يبقى ناجٍ إلّا محمّد وآل محمد^ ومن ركب سفينتهم من شيعتهم، ومن يحذو حذوهم، كما أنّ حقائق أحاديثهم تظهر في عالم البرزج في يوم ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ .

كما يظهر الحقائق في دولة الإمام القائم من آل محمد، والمهدي من وُلد فاطمة^، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

كما يصّدقه القرآن الكريم، إذ لا يصدر منهم ما يخالفه، كما ورد عنهم بأنّه كلّما خالف القرآن فهو من زخرف القول، ويضرب به عرض الجدار.

ولابدّ من كتمان أسرار آل محمد^ إلّا لمن كان مدينة حصينة وكتومة لا يذيع السّر، وكلّ من سمع من تلك الأسرار والحديث الصعب المستصعب فإنّ احتمله وقَبلَه، فليحمد الله سبحانه، فهذا من مِنته ونعمِه العظمى، إذ كان في صف الملائكة المقرَّبين والأنبياء المرسلين، والعباد المؤمنين الخالصين، وإن لم يتحمّله ولا يطيقه لثقله ووعارته وذعوريتّه وخشونته ومخشوشيشيته، وهيبته وجلاله، فليردّ ذلك إلى إمامه المعصوم العالم من آل محمد^، فما عَرفته القلوب فيُخذ به، وما أنكرته القلوب فيردّ إليهم^، وهذا من السَّعادة والنَّجاة، وإلّا فإنّ الشَّقي الهالك الذي ينكر ذلك، وهو لا علم له، ولا تحمّل لحمله، فيقسم بالله جهلاً ويقول: (والله ما كان هذا) ولكنّ من الثوابت، أنّ الرّاد عليهم في حدّ الشرك بالله سبحانه، وإن الإنكار هو الكفر بالله العظيم، وفي زيارة الجامعة الكبيرة: (ومن ردّ عليكم في أسفل درك من الجحيم).

هذه هي تعاليم أئمتنا الأطهار^ وتربيتهم لشيعتهم، فلابدّ أن نتخلّق بأخلاقهم أخلاق الله، ونتأدّب بآدابهم آداب رسول الله|.

ومن بركات زياراتهم كما في زيارة الجامعة الكبيرة لكل إمام×، أن يرجع الزائر والزائرة ونرجع إلى ديارنا، ونحن نتحمل علمهم ومعارفهم وأحاديثهم ولا سيما الصَّعبة والمستصعبة.

عن الإمام الهادي× في زيارة الجامعة الكبيرة: (وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافر بعدوّكم، وبما كفرتم به، مستبصر بشأنكم وبضلالة من خالفكم، موالٍ لكم ولأوليائكم، مبغض لأعدائكم ومعادٍ لهم، سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم، محقق لما حققتم، مبطل لما ابطلتم، مطيع لكم، عارف بحقكم، مقر بغضكم، محتمل لعلمكم...)  .

الصفحة التالية فهرس الكتب