کلمتنا

.:: أهّم عوامل بقاء الدّولة وزوالها::.

يشير أمير المؤمنين علي× إلى العوامل الأساسيّة في بقاء إمارة أو دولة أو زوالها، نذكر ذلك حسب النقاط التالية:

1 ـ (إحذر الشرّير عند إقبال الدّولة لئلا يزيلها عنك، وعند إدبارها لئلا يعين عليك) والشرفي اللغة بمعنى الظلم والفساد وجميع الموبقات، فإنّ للجهل جنوداً ووزيرهم الشر ـ كما ورد ذلك في حديث خلقة العقل والجهل ـ فالإنسان الشرير من جمع الفساد والصفات الرذيلة، فلو نفذ في بداية تشكيل دولة فإنّه بشرّه يزيلها، وفي نهاية دولة فإنه يعين على زوالها، فلابد لكل أمير وحاكم وصاحب دولة أن يحذر منه، بل على كل فرد أن يحذر من الشّر ومن الشرّير.

2 ـ (تولّي الأرذال والأحداث الدُّول دليل إنحلالها وأدبارها) فإنّ الإنسان الرذيل وكذا الشاب الذي لم تختبره الحوادث والتجارب لو تسلّط على الحكم، فإنّه سرعان ما يصدر منه، يدلّنا على إنحلال الدولة وأدبارها، فولّي الأمر لابّد أن يكون من حنكّته التجارب وأن يكون من بيوت شريفة وأصيلة.

3 ـ (تجاوز مع القدرة، وأحسن مع الدولة تكمل لك السيادة) فمن يصفح عمّن ظلمه عندما يقدر عليه، في ظلم شخصي قابل للعفو فإنّ من مکارم الأخلاق أن تعفو عمّن ظلمک، ومن يحسن إلى الناس ويعطف عليهم حينما يصل إلى الدّولة، فإنّ سوف يسود الناس وتكمل له السيادة، ويحلق في أجوائها بجناحي التّجاوز والإحسان. يتجاوز عن العاصين بشرط أن لا یخالف القانون ویضرّ الآخرین ويحسن على المطيعين.

4 ـ (أكظم الغيظ عند الغضب وتجاوز مع الدولة تكن لك العافية) فإنّ من يكتم غيضه عن الغضب ويصفح عند القدرة كيف لا يتعافى في حياته ويعيش برغد وعافية؟

5 ـ (تكبّرت في الولاية ذلّ في العزل) الوالي المتكبّر أيام دولته وولايته فإنّه يذّل حين عزله، فإنّ الأيام دول يوم لك ويوم عليك (الدولة كما تُقبل تُدبر).

فمن يتكبّر على الحق وعلى الناس أيام قدرته ومكنته ورياسته فإنّه عند عزله سيكون ذليلاً من قبل الناس فلا ينصرونه. (من تكبّر في ولايته كثر عند عزله ذلّته).

6 ـ (دولة الكريم تظهر مناقبه) فإن الكريم في طبعه لو فسح له المجال ووصل إلى الحكم وصار صاحب مذهب في الدولة، فإنّه تظهر محاسنه وفضائله ومناقبه، لما يحمل من سجية الكرم والنبل والأخلاق الطيبة، وأما الإنسان الحقير والرذيل فـ (دولة اللئيم تكشف مساويه ومعايبه).

7 ـ (دولة الجاهل كالغريب المتحرك إلى النقلة) فلابّد أن يكون الوالي عاقلاً في ولايته حتى تدوم له سلطان العاقل وينشر مناقبه. وسلطان الجاهل يبدي معايبه، فإنّ العاقل إذ أوصل إلى الحكم فإنّه لقوة عقله وحكمة تدبيره تنتشر فضائله ومناقبه بين الناس وعلى مرّ العصور، وأمّا الجاهل فإنّه لا يدري كيف يسايس الناس ويراعي شئونهم، فتظر معايبه وجهله، فيزول ملكه وسلطانه.

فإن الجاهل دولته كالإنسان الغريب في بلد، سرعان ما يتحرك وينتقل من مكان إلى مكان، فـ (دولة العاقل كالنسيب يحنّ إلى الوصلة) فالجاهل في دولته كالغريب عنها وعن قريب ينتقل منها، وأمّا العاقل فهو من أهل الدولة وبحكم الصهر والنسيب فيحنّ قلبه إلى أن يصل رحمه ورعيته.

فللعقل دخل عظيم في بقاء الدولة (إذا أراد الله سبحانه إزالة نعمة عن عبد كان أول ما يغيّر عنه عقله، وأشدّ شيء عليه فقده) ولقاح العقل وزيادته بالتفكّر والتدبّر وبالعلم والعمل فـ (سلطان العاقل ينشر مناقبه. سلطان الجاهل يبدي معايبه) 

8 ـ (دولة الأكارم من أفضل المغانم) فأفضل غنيمة على الأمة أن يقودها الإنسان الكريم، فإن في ضلّه يطمئن الإنسان وتتفتح أزهار العقول، وإلّا فإنّ (دول اللئام مذلّة الكرام) فإنّ اللئيم إذا وصل إلى الحكم، فإنه يذلّ الكرام والطيبين لما يحمل من دنائة النفس وعقدة الحقارة، في محنة الأخيار (دول الأشرار محن الأخيار) (دول الفجّار مذلّة الأبرار) وإنّ الإنسان الصغير في عقله وطبعه وروحه هو الذي يتكبّر على الآخرين ويتفاخر أيّام دولته  و(الإفتخار من صغر الأقدار) فـ (دول اللئام من نوائب الأيام) فمن مصائب أيامنا أن يحكمنا اللئيم الحقير الأحمق الجاهل الوغد، فإنّ دولته أساسها الجور والظلم، (دولة الأوغاد مبنيّة على الجور والفساد).

9 ـ (رأس السياسية إستعمال الرفق) وتشبيه السياسة بالجسد وإن رأسه الرفق بالناس والأهل، يعني لولا الرفق لماتت السياسة كما يموت الجسد لولا الرأس.

10 ـ (زين الرياسة الافضال) فإنّ لكل شيء زينة وزينة الرئاسة أي زينة الرئيس أن يتفضّل على الآخرين بما فضّل الله عليه.

11 ـ (من إمارات الدّول إنشاء الحِيل) فالأمير لابّد أن يستعمل الحيل اللطيفة والتدبير الطريف في إدارة الأمّة والرعيّة کما یحسن الحیل في الحروب.

12 ـ (زوال الدّول بإصطناع الشّغل) فمن يكون عمّال دولته أُناس سفلة وفسقة، فإنّ ذلك يعين في زوال الدولة والحكومة.

13 ـ (صيّر الدين حصن دولتك، والشكر حرز نعمتك، فكل دولة يحوطها الدين لا تغلب، وكل نعمة يحرزها الشكر لا تُسلب) إذ الدولة لابّد لها من حصن حصين يحفظ من يدخلها من شرّ الأعداء والمتجاوزين، فعلى أهل الدولة ان يجعلوا الدين حصن دولتهم، فإنّ الدين من الفطرة، وأنّ الإنسان يبذل النفس والنفيس من أجل مبادئه ودينه، فإذ عرف أنّ دولته دولة دينيّة، فإنّه يدافع عنها ويجاهد من أجلها، فلا تُغلب في أمرها، فإنّ الدولة المحاطة في معالمها وشخصيتها وسياستها بالدين، فإنها قاهرة غير مقهورة، وغالبة غير مغلوبة.

14 ـ (خير الأمراء من كان على نفسه أميراً) إذ من لم يتمكن من أن يقود نفسه بل تتغلّب عليه شهواته وغضبه، كيف يقدر أن يقود الأمّة، فمن كان على نفسه أميراً، فإنّه يقف على زوايا النفس الأمّارة التي يتصف بها كل النّاس إلّا المخلصون، ويعرف كيف يسايسها حتى لا تتغلّب عليه، ومن ثم يتعلّم كيف يسايس الناس، فيكون خير الأمراء عليهم (قدرتك على نفسك خير القدرة وإمرتك عليها خير الإمرة) (من حق الملك أن يسوس نفسه قبل جُنده) فلابّد أن يملك نفسه أوّلاً ويهذّبها، ويكون إمامها، حتى يتمكّن على حسن سياسة رعيته وجنده، و(من حق العاقل أن يقهر هواه قبل ضدّه) فإنّ النفس أعدى عدو الإنسان، وأشجع الناس من غلب هواه، فإذا إنتصر على عدوه الباطني، فإنّه يسهل عليه غلبة العدوّ الظاهر (أقوى الناس أعظمهم سلطاناً على نفسه، أعجز الناس من عجز عن إصلاح نفسه) والعاجز كيف يدبر أمر القادر، فمن عجز عن إصلاح نفسه، كيف يصلح أمر الناس، فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه.

.المشرف العام.

وللکلام صلة إن شاء الله...

الصفحة التالية فهرس الكتب