الحمدلله الذی خمر بیدی جماله و جلاله اربعین صباحا، طینة الانسان و اودع فيه اسرار الاسماء كلها و علمه المعانی والبیان.

ثم اكرمه باستعداد تعلم استعمال الدلیل والبرهان و تحصیل الایقان، باستفادة علم الحدیث و فهم غرائب القرآن و درك دقائق عجائب الفرقان من قلم الرحمن. ثم منّ علی المؤمنین اتماماً للنعمة و اكمالاً للدین، ببعث رسول «یتلو علیهم آیاته و یزكیهم و یعلمهم الكتاب والحكمة  لیعلم العباد منه مالا یعلمون و لئلا یقولوا «لولا ارسلت الینا رسولا فنتبع آیاتك » و لئلا یكون «للناس علی الله حجة بعد الرسل ».

و جعل ظواهر اقوال رسله شریعة لهدایة طالبی المحسوس، و دقائق اشارات أفعالهم شفاءا لأمراض القلوب و طریقة النجاة من علل النفوس، و حقائق وجنات أحوالهم معراجاً لعروج أهل الحقیقة الی حضرة الملك القدوس. فاضاء قلوبنا بانوار مصابیح مشكوة جوامع كلمه و لمعات اضواء اشراقات فهم مقاصد كلام نجوم هدایته عن ظلمات شبهات مشاغبات الكتب الكلامیة و متشابهات كلمات الحكماء المشائیة و الاشراقیة.

و اغنانا بالحكمة الالهیة الایمانیة القرآنیة عن تصحیح العقائد، بالادلة الطبیعیة والریاضیة و مخترعات اصول المعتزلة والاشعریة و رزقناالنجاة والعافية بشفاء صحاح احادیث النبویة و فتوحات درك المطالب العالیة من آثار الاشارات الولویة عن الامراض المزمنة الحاصلة من ملاحظة كلمات الفلسفة الیونانیة و مزاولة اعمال الطبیعة الحیوانیة و تقلید الآباء والاسلاف في الجوانیة والبرانیة. فصلی الله علیه و آله و جزاه عنا افضل ما جزی نبیا عن امته، حیث اوضح لنا سبیل الوصول و قررلنا درك حقیقة المامول بالتزام لوازم الشریعة و سلوك سبیل الطریقة المستقیمة و بین «ان الذكری تنفع المؤمنین » وفيها تذكرة للمتقین و امحاض النصح للاخوان من اعز اركان الدین و ان كان القوم لا یحبون الناصحین. 

فأقول إمتثالاً لأمرك یا أخي في الله: 

مثلك یعلم بالضرورة ان الاخلاد الی ارض المادة و ازدیاد التثاقل بالانكباب علی لوازم الطبیعة الجسمانیة والاشتغال باستیفاء اللذات الحسیة والمشتهیات البهیمیة والسبعیة بل صرف تمام اوقات العمر في تدریس العلوم الرسمیة و ترك طریق التصفية بالریاضیات الشرعیة و تقلید الآباء والمشایخ في المسائل الاصلیة والفرعیة من موانع العروج الی سماء المعارف الحقیقیة والنفس الامریة. فخذمن العلوم المتعارفة الرسمیة احسنها، بقدر الضرورة مع المجانبة عن المراء والمجادلة الممرضة. ثم اشتغل بتلطیف السرفان العلم لیس بكثرة التعلم، انما هو نور یقذف في القلوب المستعدة للافاضة، بل العلم مجبول في القلوب، تادب بالآداب الروحانیة تجده. والجوع سحاب یمطر الحكمة، و من اخلص لله اربعین صباحا جرت ینابیع الحكمة من قلبه علی لسانه.

و سید علوم اهل البیت علیهم السلام نكت في القلوب و قرع في الاسماع. و العلم ما یحدث یوما فيوما و لحظة فلحظة.

فارفض عنك رسوم العادة ولازم طریق اهل الشهادة الطالبین للحقایق، لان لكل حق حقیقة، فخذ اللباب والترك التشویر في كل باب. و ایاك والاغترار بالظاهر، لان لكل آیة ظهرا و بطنا وحدا و مطلعا. و كن من الزاهدین في الدنیا و ما فيها، لانها دار غرور الانس والجان و حیاتها لهو و لعب بنص القرآن، فذرها للنساء والصبیان و شمر مثل الرجال في طلب الآخرة و هی الحیوان عند اهل العرفان. و ما الدنیا؟ هل هی الا طعام أكلیة او ثوب لبیسة او امرائة اصبتها وهی عند اهل اللب في الظلال.

كل ما في الكون وهم او خیال                     او عكوس في المرایا او ظلال

واتق الله حق تقاته ما استطعت واطلب الاعانة من الله و جاهد اولا في سبیل الله ثم في الله، لان الثانی سبب الوصول كما اشار الیه قوله سبحانه: «الذین جاهدوا فينا لنهدینهم سبلنا». و رمز الیه قول السجاد علیه السلام: «من وفا بعهدك و تعب نفسه في ذلك واجهدها في مرضاتك فاهل للبشارة ». اذلیس لاهل الاخلاص في النشاة العنصریة من خلاص الا بافناء بقایا الوجود و تسلیم الامر كله الی ولی الاحسان والجود. فتقرب الیه بالنوافل، حتی یكون الحق بصرك و سمعك، فتكون من الرجال السابقین الذین صدقوا ما عاهدوا الله علیه.

وادوا الامانات الی اهلها وردوا الی الله مولیهم الحق، فان لله اولیاء تحت قبابه لایعرفهم غیره. و ان لم تستطع ولن تستطیع الا بمعونة توفيق و تجرید واحتمال مشقة شدیدة، فلازم طریقة اصحاب الیمین، «اكثر اهل الجنة البله » القانعون بجوار خیرات الحسان و بطواف جواری و غلمان عن روضة رضوان الجمال و خلد مقعد صدق عند ملیك متعال.

واعلم ان اكثر اهل الدنیا اهل غفلة، لاخیر فيهم ولا غنی عنهم و ما اشبه حالهم عند اهل الانتباه بحال الاحجار التی یزال بها العذرة عند فقد المیاه، فهم من ضرورات مزبلة الدنیا و عمارة هذه الاولی، فنزلهم منازلهم واعرف لذوی الفضل منهم فضلهم و دارهم مادمت في دارهم و ارضهم مادمت في ارضهم، بلا مداهنة في الدین ولا ركون الی الظالمین. واحتمل منهم الضرر والاذی، فان نعیم الآخرة محفوف بالمكاره الدنیویة. واصبر نفسك مع الذین آمنوا صبرا جمیلا و توكل علی الله واتخذه وكیلا. ولاترسل عنانك في مراتع الرخص الشرعیة الواردة لاهل الزمان من ضعفاء العقول والنسوان والمستضعفين من الرجال و من الصبیان. واذكر عیش مولی الانس والجان، فانه احترز عن دقیق شعیرة ببعض الادهان.

ولاتقل: من حرم زینة الرحمن؟ فان تخیل ذلك في هذاالمقام من تسویلات الشیطان الموجبة للحرمان من درجات اهل العرفان و الایقان. و بین التحریم و حرمان النفس فرقان. و لذا قال مرشد اهل الحقیقة و قائد سبیل الطریقة بلسان اهل الشریعة في عسل ام ایمن الممزوج باللبن: «یمكن الاكتفاء باحدهما، لا اشر بهما؟ ولا احرمهما». و قال عند الاجتناب من اكل سخلیص اخاف ان یقال لی یوم القیمة: اذهبتم طیباتكم في حیاتكم الدنیا.

وقال: «و ایاكم والتنعم والتلّهي والفاكهات ».

وقال بعض في بعض الادعیة: اعوذبك اللهم من رفيع الماكل والمشرب. فلاتذهب طیباتك في حیاتكم الدنیا ولاتنس نصیبك عن الآخرة، فانها خیرو ابقی. و ایاك و تناول الشبهات والتوغل في المباهات، فانها تورث القسوة و تفوت لذة المناجات. و ایاك والریاسة والتحدث بها، لانها ملعون من تراس، ملعون من هم بها لانها لاتصح إلّا لأهلها وهم الذین اماتوا نفوسهم و احیوا قلوبهم واخلوا دخائلهم من غیر الله وجزوا اوقاتهم في طلب مرضاته حتی صارت انفسهم مواضع لمشیة الله.

و ایاك و مجالسة المتراسین، سیما مدعی العلم منهم بلابرهان، لانهم قوم نسوا الله فانسیهم انفسهم، فيتبعون شهوات الحیوان و یستدلون بالمتشابهات عند مطالبة البرهان، فسوف یلقون غیا و سیصلون سعیداً.

فبعد تطهیر قلبك استفت قلبك، فان افتاك فعلیك بجمع الحقیقة والطریقة والشریعة فان فاقد احدها لیس بانسان في الحقیقة، بل حیوان طرید او شیطان مرید او جبار عنید.

و بالجملة لابدلك من تحصیل عقائد برهانیة و حقائق ربانیة عرفانیة و اخلاق فاضلة نفسانیة و ملكات ملكیة و آداب شرعیة و عبادات بدنیة، بشرائطها المقررة الدینیة حتی تعرف صدق ذلك من قلبك.

وذلك لایحصل بالمنی ولاینال بالهوی ولایدرك بالاسباب الظاهرة من العباء والرداء والتختم بالعقیق و اخذ العصا والتزین بزی العلماء والعباد والصلحاء والانتساب بالنسب الی سلسلة الاتقیاء، بل لابد فيه من الزهد في الدنیا. فلایجد الرجل حلاوة الایمان حتی لایبالی من اكل الدنیا و ینس التدریس والمدرسة والتلامذة الساكنة فيها، ثم النیة الصادقة والاخلاص في كل ما تاتی و تذر.

وعند تصحیح النّیه تسكب العبرات. ولابد فيه من الریاضات المبادی، لاصلاح البضعة التی ان صلحت صلحت بقیة الجسد، لان بالنیات خلد هولاء وهولاء و الكلام في ذلك طویل. فاشغل قلبك باوامر القرآن والحدیث قبل ان یشغلك من قبل نفسه بالاحادیث، فانها ان لم تشغلها شغلتك. ولاتتركها وهواها، لانها تسعی في رداها وقد افلح من زكیها و نهاها من هواها. ثم الواجب علیك الاهتمام باستیفاء آداب الزیارة و شرائطها، من تعظیم المزور و اعانة الزوار.

و ایاك و ان تكون كاذبا في قولك: «و اشهد انك تری مقامی و تسمع كلامی ». ولاتلفت الی احد في الروضة المقدسة ولاتحدث بالناس فيها و لاتتفرج في ریاض القنادیل، فانها لاتلیق بعبادة المصطفين.

و متی فترشوقك فاخرج منها، فان الغفلة عن الذكر احسن من الغفلة في الذكر. وادع لابویك و ارباب الحقوق علیك. فهذه سبیلی ادعوا الیه من اتبعنی و ما توفيقی الا بالله، والله یقول الحق وهو یهدی السبیل، و من یضلل الله فماله من هاد، و من لم یجعل الله له من قلبه مرشداً واعظاً فلن تجدله ولیاً مرشداً فان الهدی هدی الله ولاتهدی من احببت.

فهذه تذكرة لمن شاء ان یتخذ الی ربه سبیلا.

الصفحة السابقة الصفحة التالية فهرس الكتب